كنتم به تستعجلون ؛ يعني : تكذبون ؛ لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب ، والإنكار».
فجعله من باب الكناية ؛ لأنه دلالة على الشيء بلازمه ، نحو «هو طويل النجاد» كنيت به عن طول قامته ؛ لأن طول نجاده لا زم لطول قامته ، وهو باب بليغ.
وقوله : (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) هذه الجملة على قراءة العامة ؛ عطف على ذلك الفعل المقدر الناصب ل «الآن» وعلى قراءة طلحة هو استئناف إخبار عما يقال لهم يوم القيامة ، و «ذوقوا» و (هَلْ تُجْزَوْنَ) كله في محل نصب بالقول ، وقوله : (إِلَّا بِما) هو المفعول الثاني ل «تجزون» ، والأول قائم مقام الفاعل ، وهو استثناء مفرغ.
فصل
دلت الآية على أن الجزاء يوجب العمل ، أما عند الفلاسفة : فهو أثر العمل ، وأما عند المعتزلة : فإن العمل الصالح يوجب استحقاق الثواب على الله ـ تعالى ـ ، وأما عند أهل السنة ؛ فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.
قالت المعتزلة : ودلت الآية على كون العبد مكتسبا ، وعند أهل السنة معناها : أن مجموع القدرة مع الداعية الحاصلة يوجب الفعل.
قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٥٦)
قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) الآية.
لما أخبر ـ تعالى ـ عن الكفار ، بأنهم يقولون : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وأجاب عنه بما تقدم ، حكى عنهم : أنهم رجعوا إلى الرسول مرة أخرى في هذه الواقعة ، وسألوه عن ذلك السؤال مرة أخرى ، وقالوا : أحق هو؟ واعلم : أنهم سألوا أولا عن زمان وقوعه ، وهاهنا سألوا عن تحققه في نفسه ، ولهذا اختلف جوابهما.
فأجاب عن الأول ، وهو السؤال عن الزمان ، بقوله (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) [يونس : ٤٩].
وأجاب عن الثاني : بتحققه بالقسم ، بقوله (إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) وفائدته أن يستميلهم ويتكلم معهم بالكلام المعتاد ؛ لأن الظاهر أن من أخبر عن شيء ، وأكده بالقسم ، فقد أخرجه عن الهزل إلى الجد ، وأيضا : فإن الناس طبقات : فمنهم من لا يقر بشيء إلا بالبرهان الحقيقي ، ومنهم من ينتفع بالأشياء الإقناعية ، نحو القسم.
قوله : (أَحَقٌّ هُوَ) يجوز أن يكون «حق» مبتدأ ، و «هو» مرفوعا بالفاعلية سد مسد