٤٨] وقوله : «ظلمت» في محل جرّ صفة ل «نفس» أي : لكلّ نفس ظالمة ، و (ما فِي الْأَرْضِ) اسم «أنّ» و «لكلّ» هو الخبر.
قوله : (لَافْتَدَتْ بِهِ) : «افتدى» يجوز أن يكون متعديا ، وأن يكون قاصرا ، فإذا كان مطاوعا ل «فدى» كان قاصرا ، تقول : فديته فافتدى ، ويكون بمعنى : «فدى» فيتعدّى لواحد ، والفعل هنا يحتمل الوجهين : فإن جعلناه متعدّيا ، فمفعوله محذوف تقديره : لافتدت به نفسها ، وهو في المجاز ، كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النحل : ١١١].
قوله (وَأَسَرُّوا) قيل : «أسرّ» من الأضداد ، يستعمل بمعنى : أظهر ؛ كقول الفرزدق: [الطويل]
٢٩٠٥ ـ ولمّا رأى الحجّاج جرّد سيفه |
|
أسرّ الحروريّ الّذي كان أضمرا (١) |
وقول الآخر : [الوافر]
٢٩٠٦ ـ فأسررت النّدامة يوم نادى |
|
بردّ جمال غاضرة المنادي (٢) |
ويستعمل بمعنى : «أخفى» وهو المشهور في اللّغة ، كقوله ـ تعالى ـ : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [البقرة : ٧٧]. وهو في الآية يحتمل الوجهين ، وقيل إنّه ماض على بابه قد وقع ، وقيل : بمعنى : المستقبل ؛ لأنّها لمّا كانت واجبة الوقوع جعل مستقبلها كالماضي ، وقد أبعد بعضهم ، فقال : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أي : بدت بالنّدامة أسرّة وجوههم ، أي : تكاسير جباههم. قوله : (لَمَّا رَأَوُا) يجوز أن تكون حرفا ، وجوابها محذوف لدلالة ما تقدّم عليه ، أو هو المتقدّم عند من يرى تقديم جواب الشّرط جائزا ، ويجوز أن تكون بمعنى : «حين» والنّاصب لها : «أسرّوا».
فصل
إذا فسرنا الإسرار بالإخفاء ففيه وجوه :
الأول : أنهم لمّا رأوا العذاب الشّديد ، صاروا مبهوتين ، لم يطيقوا بكاء ولا صراخا سوى إسرار النّدامة ، كمن يذهب به ليصلب ، فإنّه يبقى مبهوتا لا ينطق بكلمة.
الثاني : أنّهم أسرّوا النّدامة من سفلتهم ، وأتباعهم ، حياء منهم ، وخوفا من توبيخهم.
فإن قيل : إنّ مهابة ذلك الوقت تمنع الإنسان من هذا التّدبير ، فكيف أقدموا عليه؟.
فالجواب : أنّ هذا الكتمان قبل الاحتراق ، فإذا احترقوا ، تركوا هذا الإخفاء
__________________
(١) البيت ليس في ديوان الفرزدق. ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٦٧ واللسان (سرر) والأضداد للأصمعي ، والأضداد للأنباري ٣٧ وزاد المسير ٤ / ٣٩ وشرح القصائد الجاهليات ٤٩ والدر المصون ٤ / ٤٣.
(٢) البيت لكثير عزة. ينظر : ديوانه (٢٢١) والبحر المحيط ٥ / ١٦٧ والقرطبي ٨ / ٢٢٥ والدر المصون ٤ / ٤٣.