فصل
هذا الكلام يقوي داعية القتال من وجوه :
الأول : أنّ تقرير الموجبات القويّة ، وتفصيلها ممّا يقوّي هذه الداعية.
الثاني : أنّك إذا قلت للرجل : أتخشى خصمك ؛ فكأنك تحرضه على القتال ، أي : لا تخف منه.
والثالث : قوله (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) أي : إن كنت تخشى أحدا فالله أحقّ أن تخشاه ، لكونه في غاية القدرة ، فالضّرر المتوقع منهم غايته القتل ، وأمّا المتوقع من الله فالعقاب الشديد في القيامة ، والذم اللازم في الدّنيا.
والرابع : قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن كنتم موقنين بالإيمان ، وجب عليكم القتال ، أي : إنكم إن لم تقدموا على القتال ، وجب أن لا تكونوا مؤمنين.
فصل
حكى الواحديّ عن أهل المعاني أنهم قالوا : «إذا قلت : ألا تفعل كذا ، فإنّما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده ، وإذا قلت : ألست تفعل ، فإنّما تقول ذلك في فعل تحقّق وجوده ، والفرق بينهما أنّ «لا» ينفى بها المستقبل ، فإذا أدخلت عليها الألف كان تحضيضا على فعل ما يستقبل ، و «ليس» إنما تستعمل لنفي الحال ، فإذا أدخلت عليها الألف صار لتحقيق الحال».
فصل
نقل عن ابن عباس أنه قال قوله : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) ترغيب في فتح مكّة (١) وقوله : (قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) أي : عهدهم ، يعني قريشا حين أعانوا بني الديل بن بكر على خزاعة ، كما تقدم.
وقال الحسن «لا يجوز أن يكون المراد منه ذلك ؛ لأنّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكّة»(٢).
فصل
قال الأصم «دلّت الآية على أنّهم كرهوا هذا القتال ، لقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة : ١١٦] فأمنهم الله تعالى بهذه الآيات». قال القاضي «إنه تعالى قد يحث على فعل الواجب من لا يكون كارها له ، ولا مقصرا فيه ، فإن أراد أن مثل هذا التحريض على الجهاد لا يقع إلّا وهناك كره للقتال ، لا يصح أيضا ، لأنّه يجوز أن يحث تعالى بهذا الجنس على الجهاد ، لكي لا يحصل الكره الذي لو لا هذا التحريض كان يقع».
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٨٨).
(٢) انظر المصدر السابق.