قال أبو البقاء : ويقرأ بلفظ الخبر ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنّه استفهام في المعنى أيضا ، وحذفت الهمزة للعلم بها وعلى هذا الذي ذكره : يكون الإعراب على ما تقدّم ، واعلم أنّك إذا جعلت «ما» موصولة بمعنى : الذي ، امتنع نصبها بفعل مقدّر على الاشتغال.
قال مكّي : ولا يجوز أن تكون «ما» بمعنى : الذي ، في موضع نصب لأنّ ما بعدها صلتها ، والصلة لا تعمل في الموصول ، ولا يكون تفسيرا للعامل في الموصول وهو كلام صحيح ؛ فتلخّص من هذا : أنّها إذا كانت استفهامية ، جاز أن تكون في محلّ رفع أو نصب ، وإذا كانت موصولة ، تعيّن أن يكون محلّها الرفع بالابتداء ، وقال مكي : وأجاز الفرّاء نصب «السّحر» فجعل «ما» شرطا ، وينصب «السّحر» على المصدر ، وتضمر الفاء مع (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) ، وتجعل الألف واللام في «السّحر» زائدتين ، وذلك كلّه بعيد ، وقد أجاز عليّ بن سليمان : حذف الفاء من جواب الشّرط في الكلام ، واستدلّ على جوازه بقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ، ولم يجزه غيره إلّا في ضرورة شعر.
قال شهاب الدّين : وإذا مشينا مع الفرّاء ، فتكون «ما» شرطا يراد بها المصدر ، تقديره: أيّ سحر جئتم به ، فإنّ الله سيبطله ، ويبيّن أنّ «ما» يراد بها السحر قوله : «السّحر» ؛ ولكن يقلق قوله : «إنّ نصب السّحر على المصدريّة» فيكون تأويله : أنّه منصوب على المصدر الواقع موقع الحال ؛ ولذلك قدّره بالنّكرة ، وجعل «أل» مزيدة فيه.
وقد نقل عن الفرّاء : أنّ هذه الألف واللام للتعريف ، وهو تعريف العهد ، قال الفرّاء : «وإنّما قال «السّحر» بالألف واللّام ؛ لأنّ النّكرة إذا أعيدت ، أعيدت بالألف واللّام» يعنى : أنّ النّكرة قد تقدّمت في قوله : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس : ٧٦] ، وبهذا شرحه ابن عطيّة.
قال ابن عطيّة : والتعريف هنا في السحر أرتب ؛ لأنّه قد تقدّم منكّرا في قولهم : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ) ، فجاء هنا بلام العهد ، كما يقال أوّل الرسالة : «سلام عليك».
قال أبو حيّان «وما ذكراه هنا في «السّحر» ليس من تقدّم النكرة ، ثمّ أخبر عنها بعد ذلك ؛ لأنّ شرط هذا أن يكون المعرّف ب «أل» هو المنكر المتقدّم ، ولا يكون غيره ، كقوله ـ تعالى ـ : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٥ ، ١٦].
وتقول : «زارني رجل ، فأكرمت الرّجل» لمّا كان إيّاه ، جاز أن يؤتى بضميره بدله ، فتقول : «فأكرمته» ، و «السّحر» هنا : ليس هو السحر الذي في قولهم : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ) لأنّ الذي أخبروا عنه بأنّه سحر ، هو ما ظهر على يدي موسى من معجزة العصا ، والسّحر الذي في قول موسى ، إنّما هو سحرهم الذي جاؤوا به ، فقد اختلف المدلولان ، إذا قالوا هم عن معجزة موسى ، وقال موسى عمّا جاؤوا به ؛ ولذلك لا يجوز أن يؤتى هنا بالضّمير بدل السّحر ؛ فيكون عائدا على قولهم : لسحر».