المادة في قوله : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٢١] والمعنى : اجعلا بمصر بيوتا لقومكما ، ومرجعا ترجعون إليه للعبادة.
قوله : «لقومكما» يجوز أن تكون اللّام زائدة في المفعول الأول ، و «بيوتا» مفعول ثان ، بمعنى : بوّآ قومكما بيوتا ، أي : أنزلوهم ، وفعّل وتفعّل بمعنى ، مثل «علّقها» و «تعلّقها» قاله أبو البقاء ، وفيه ضعف : من حيث إنّه زيدت اللام ، والعامل غير فرع ، ولم يتقدم المعمول.
الثاني : أنّها غير زائدة ، وفيها حينئذ وجهان :
أحدهما : أنّها حال من «البيوت».
والثاني : أنّها وما بعدها مفعول «تبوّءا».
قوله «بمصر» جوّز فيه أبو البقاء أوجها :
أحدها : أنّه متعلّق ب «تبوّءا» ، وهو الظّاهر.
الثاني : أنّه حال من ضمير «تبوّءا» ، واستضعفه ، ولم يبيّن وجه ضعفه لوضوحه.
الثالث : أنّه حال من «البيوت».
الرابع : أنّه حال من : «لقومكما» ، وقد ثنّى الضمير في قوله : «تبوّءا» وجمع في قوله: (وَاجْعَلُوا) و «أقيموا» وأفرد في قوله : (وَبَشِّرِ) لأن الأول أمر لهما ، والثاني لهما ولقومهما ، والثالث لموسى فقط ؛ لأنّ أخاه تبع له ، ولمّا كان فعل البشارة شريفا خصّ به موسى ، لأنّه هو الأصل ، وقيل : وبشّر المؤمنين يا محمّد.
فصل
قال بعضهم : المراد من البيوت : المساجد ؛ لقوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور: ٣٦] وقيل : مطلق البيوت ، أمّا الأوّلون ففسّروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة ، أي : اجعلوا بيوتكم مساجدا ، تستقبلونها في الصّلاة.
وقال ابن الأنباريّ : المعنى : اجعلوا بيوتكم قبلا ، أي : مساجد ؛ فأطلق لفظ الواحد ، والمراد : الجمع ، ومن قال : المراد : مطلق البيوت ففيه وجهان :
أحدهما : قال الفراء : أي : اجعلوا بيوتكم إلى القبلة.
الثاني : المعنى : اجعلوا بيوتكم متقابلة ، والمراد منه : حصول الجمعيّة ، واعتضاد البعض بالبعض.
واختلفوا في هذه القبلة أين كانت؟ ظاهر القرآن لا يدلّ على تعيينها ، وروي عن ابن عبّاس : كانت الكعبة قبلة موسى (١) ، وكان الحسن يقول : الكعبة قبلة كلّ الأنبياء ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٩٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٦٦) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.