وإنما وقع العدول عنها بأمر الله ـ تعالى ـ في أيّام الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بعد الهجرة (١). وقال آخرون : كانت القبلة : بيت المقدس.
فصل
ذكر المفسّرون في كيفية هذه الواقعة وجوها :
أحدها : أن موسى ومن معه كانوا مأمورين في أول أمرهم : بأن يصلّوا في بيوتهم خفية من الكفّار ؛ لئلا يظهروا عليهم ، فيؤذوهم ، ويفتنوهم عن دينهم ، كما كان المؤمنون في أول الإسلام بمكة.
قال مجاهد : خاف موسى ومن معه من فرعون أن يصلّوا في الكنائس الجامعة ، فأمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد جهة الكعبة ، يصلّون فيها سرّا (٢).
وثانيها : أنّه لمّا أرسل موسى إلى فرعون ، أمر فرعون بتخريب مساجد بني إسرائيل ، ومنعهم من الصلاة ، فأمرهم الله ـ تعالى ـ باتّخاذ المساجد في بيوتهم ، رواه عكرمة ، عن ابن عبّاس (٣). وهو قول إبراهيم.
وثالثها : أنّه تعالى لمّا أرسل موسى إليهم ، وأظهر فرعون لهم العداوة الشديدة ، أمر الله ـ تعالى ـ موسى ، وهارون ، وقومهما باتّخاذ المساجد على رغم الأعداء ، وتكفّل الله بصونهم عن شرّ الأعداء.
قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) الآية.
لمّا بالغ موسى في إظهار المعجزات ، ورأى القوم مصرّين على الجحود والعناد ؛ دعا عليهم ، ومن حقّ من يدعو على الغير أن يذكر سبب جرمه ، وجرمهم : كان حبّ الدنيا ؛ فلأجله تركوا الدّين ؛ فلهذا قال ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) والزينة : عبارة عن الصحّة ، والجمال ، واللباس ، والدوابّ ، وأثاث البيت ، والمال ما يزيد على هذه الأشياء من الصّامت ، والنّاطق ، وقرأ الفضل الرّقاشي (٤) «أئنّك آتيت».
قوله : «ليضلّوا» في هذه اللّام ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها لام العلّة ، والمعنى : أنّك آتيتهم ما آتيتهم على سبيل الاستدراج ، فكان الإيتاء لهذه العلة.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٧ / ١١٨).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٩٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٦٦) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٦٥).
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٦٦ ، البحر المحيط ٥ / ١٨٥ ، الدر المصون ٤ / ٦٥.