موضع كذا» فكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، فتوفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبيّن موضعها ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فقرنت بينهما (١).
قال ابن العربيّ «هذا دليل على أنّ القياس أصل في الدّين ؛ ألا ترى إلى عثمان بن عفّان وأعيان الصّحابة ، كيف نحوا إلى قياس الشبه عند عدم النّصّ ، ورأوا أنّ قصة «براءة» شبيهة بقصّة «الأنفال» فألحقوها بها؟ فإذا كان الله تعالى قد بيّن دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنّك بسائر الأحكام»؟.
قال القاضي : «لا يبعد أن يقال : إنّه عليه الصّلاة والسّلام بيّن كون هذه السّورة تالية لسورة الأنفال ؛ لأنّ القرآن مرتّب من قبل الله تعالى ، ومن قبل رسوله على الوجه الذي نقل ، ولو جوّزنا في بعض السّور ألّا يكون ترتيبها من الله تعالى على سبيل الوحي ، لجوّزنا مثله في سائر السور ، وفي آيات السورة الواحدة ، وتجويزه يعضد ما يقوله الإمامية من تجويز الزيادة والنقصان في القرآن ، وذلك يخرجه عن كونه حجة».
والصّحيح : أنّه عليه الصّلاة والسّلام أمر بوضع هذه السّورة ، بعد سورة الأنفال وحيا ، فإنه عليه الصّلاة والسّلام حذف «بسم الله الرحمن الرّحيم» من أول هذه السّورة وحيا.
الوجه الثاني : روي عن أبي بن كعب أنه قال : إنما توهموا ذلك ، لأنّ في الأنفال ذكر العهود ، وفي براءة نبذ العهود ، فوضعت إحداهما بجنب الأخرى ، والسّؤال المذكور عائد هنا ، لأنّ هذا الوجه إنّما يتم إذا قلنا : إنّهم إنّما وضعوا هذه السّورة بعد الأنفال من قبل أنفسهم لهذه العلّة.
الوجه الثالث : أنّ الصّحابة اختلفوا في أنّ سورة الأنفال ، وسورة التوبة هل هما سورة واحدة أم سورتان؟ قال بعضهم : هما سورة واحدة ؛ لأنّ كليهما نزلتا في القتال ، ومجموعهما هذه السّورة السابعة من الطّوال ، وهي سبع ، وما بعدها المئون ، وهذا قول ظاهر ؛ لأنّهما معا مائتان وست آيات ، فهما بمنزلة سورة واحدة.
ومنهم من قال سورتان ، فلمّا ظهر الاختلاف من الصّحابة في هذا الباب ، تركوا بينهما فرجة تنبيها على قول من يقول هما سورتان ، وما كتبوا «بسم الله الرّحمن الرّحيم»
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٥٧ ، ٦٩) وأبو داود (٧٨٦ ، ٧٨٨) والترمذي (٣٠٨٦) والحاكم (١ / ٢٢١ ، ٣٣٠) والبيهقي (٢ / ٤٠٢) وفي «دلائل النبوة» (٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣) وابن حبان (٤٥٢ ـ موارد) وابن أبي داود في «المصاحف» ص (٣٢) وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص (١٦٠) والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٦٥) من طريق عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي عن ابن عباس قال : قلت لعثمان .... فذكره.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلّا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.