وقد تقدّم تحريره في موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه جملة نهي معطوفة على جملة أمر.
قال الزجاج : (وَلا تَتَّبِعانِّ) : موضعه جزم ، تقديره : ولا تتّبعا ، إلّا أنّ النّون الشديدة ، دخلت على النهي مؤكدة وكسرت لسكونها ، وسكون النون التي قبلها ، فاختير لها الكسرة ؛ لأنها بعد الألف تشبه نون التثنية.
وأمّا قراءة حفص ، ف «لا» : تحتمل أن تكون للنّفي ، وأن تكون للنّهي.
فإن كانت للنفي ، كانت النون نون رفع ، والجملة حينئذ فيها أوجه :
أحدها : أنّها في موضع الحال ، أي : فاستقيما غير متّبعين ، إلّا أنّ هذا معترض بما قدّمته من أنّ المضارع المنفيّ ب «لا» كالمثبت في كونه لا تباشره واو الحال ، إلّا أن يقدّر قبله مبتدأ ، فتكون الجملة اسميّة أي : وأنتما لا تتّبعان.
والثاني : أنّه نفي في معنى النّهي ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣].
الثالث : أنّه خبر محض مستأنف لا تعلّق له بما قبله ، والمعنى : أنّهما أخبرا بأنّهما لا يتّبعان سبيل الذين لا يعلمون.
وإن كانت للنّهي ، كانت النون للتوكيد ، وهي الخفيفة ، وهذا لا يراه سيبويه ، والكسائي ، أعني : وقوع النون الخفيفة بعد الألف ، سواء كانت الألف ألف تثنية ، أو ألف فصل بين نون الإناث ، ونون التوكيد ، نحو : «هل تضربنان يا نسوة» وقد أجاز يونس ، والفرّاء : وقوع الخفيفة بعد الألف وعلى قولهما تتخرّج القراءة ، وقيل : أصلها التشديد ، وإنّما خففت للثقل فيها ؛ كقولهم : «رب» في «ربّ».
وأمّا تشديد التاء وتخفيفها ، فلغتان : من اتّبع يتّبع ، وتبع يتبع ، وقد تقدّم [الأعراف : ١٧٥] هل هما بمعنى واحد ، أو مختلفان في المعنى؟ وملخصه : أنّ تبعه بشيء : خلفه ، واتّبعه كذلك ، إلّا أنه حاذاه في المشي واقتدى به ، وأتبعه : لحقه.
فصل
المعنى : لا تسلك طريق الجاهلين الذين يظنّون أنه : متى كان الدعاء مجابا ، كان المقصود حاصلا في الحال ، فربما أجاب الله تعالى الإنسان في مطلوبه ، إلّا أنّه يوصله إليه في وقته المقدّر ؛ فإنّ وعد الله لا خلف له ، والاستعجال لا يصدر إلا من الجهّال ؛ كما قال لنوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ٤٦] ، وهذا النّهي لا يدلّ على صدور ذلك من موسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كما أن قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] لا يدل على صدور الشرك منه.
قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً