وشروط النّصب متوفرة ، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي : باغين متعدّين.
وقرأ الحسن (١) «وعدوا» بضمّ العين ، والدّال المشدّدة ، وقد تقدّم ذلك في سورة الأنعام [الأنعام : ١٠٨] ، وقوله : (حَتَّى إِذا) : غاية لاتباعه.
قوله : (آمَنْتُ أَنَّهُ) قرأ الأخوان بكسر (٢) «إنّ» وفيها أوجه :
أحدها : أنّها استئناف إخبار ؛ فلذلك كسرت لوقوعها ابتداء كلام.
والثاني : أنّه على إضمار القول أي : فقال إنّه ، ويكون هذا القول مفسرا لقوله : «آمنت».
والثالث : أن تكون هذه الجملة بدلا من قوله : «آمنت» ، وإبدال الجملة الاسميّة من الفعليّة جائز ، لأنّها في معناها ، وحينئذ تكون مكسورة ؛ لأنّها محكيّة ب «قال» هذا الظاهر.
والرابع : أنّ «آمنت» ضمّن معنى القول ؛ لأنّه قول. وقال الزمخشريّ : «كرّر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرّات في ثلاث عبارات حرصا على القبول».
يعني أنه قال : «آمنت» فهذه مرّة ، وقال : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) فهذه مرة ثانية. وقال : (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فهذه ثالثة ، والمعنى واحد.
وهذا جنوح منه إلى الاستئناف في «إنّه». وقرأ الباقون بفتحها وفيها أوجه :
أحدها : أنّها في محلّ نصب على المفعول به أي : آمنت توحيد الله ؛ لأنّه بمعنى صدّقت.
الثاني : أنّها في موضع نصب بعد إسقاط الجارّ أي : لأنّه.
الثالث : أنّها في محلّ جرّ بذلك الجارّ وقد تقدّم ما فيه من الخلاف [يونس : ٢].
فصل
لمّا أجاب الله دعاءهما ، أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر ، وكان فرعون غافلا عن ذلك ؛ فلمّا سمع بخروجهم «أتبعهم» أي : لحقهم ، (بَغْياً وَعَدْواً) أي : ظلما واعتداء. وقيل : بغيا في القول ، وعدوا في الفعل ، وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه فدخلوا ، وخرجوا ، وأبقى الله تعالى ذلك الطريق يبسا ، ليطمع فرعون ، وجنوده في العبور ، فلمّا دخل مع جمعه ، ودخل آخرهم، وهمّ أوّلهم بالخروج ، انطبق عليهم البحر فلمّا (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) أي : غمره الماء ، وقرب هلاكه (قالَ آمَنْتُ).
__________________
(١) ينظر : السابق.
(٢) ينظر : السبعة ص (٣٣٠) ، الحجة للقراء السبعة ٤ / ٢٩٥ ، حجة القراءات ص (٣٦٦) ، إعراب القراءات ١ / ٢٧٣ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٢٠.