فإن قيل : إنّ الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفّظ بهذا اللفظ ، فكيف حكى الله عنه أنّه ذكر ذلك؟.
فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ الكلام الحقيقيّ هو كلام النّفس لا كلام اللسان ، فذكر هذا الكلام بالنفس.
الثاني : أن يكون المراد بالغرق مقدماته.
فإن قيل : إنّه آمن ثلاث مرات على ما تقدم عن الزمخشري ، فما السّبب في عدم القبول؟.
فالجواب : من وجوه :
أحدها : أنّه إنّما آمن عند نزول العذاب ، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول ، قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥].
الثاني : إنّما ذكر هذه الكلمة ليتوسّل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة ، ولم يكن مقصوده بالكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى ، فلم يكن مخلصا.
وثالثها : أنّ ذلك الإقرار كان تقليدا ، فإنه قال : (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) فكأنه اعترف بأنّه لا يعرف الله ، وإنّما سمع من بني إسرائيل أنّ للعالم إلها ، فهو أقرّ بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يقرّون بوجوده ، وهذا محض التّقليد ، وفرعون قيل إنّه كان من الدّهرية المنكرين لوجود الصّانع ، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا يزول إلّا بالحجّة القطعيّة ، لا بالتّقليد المحض.
ورابعها : أنّ بعض بني إسرائيل لمّا جاوزوا البحر عبدوا العجل ، فلما قال فرعون : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) انصرف ذلك إلى العجل الذي آمنوا بعبادته ، فكانت هذه الكلمة في حقه سببا لزيادة كفره.
وخامسها : أنّ أكثر اليهود يقولون بالتّشبيه والتّجسيم ، ولهذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنّهم أنّه تعالى في جسد ذلك العجل ، فلمّا قال فرعون : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) فكأنّه آمن بالله الموصوف بالجسميّة ، والحلول والنّزول ، ومن اعتقد ذلك ؛ فهو كافر ، فلذلك ما صحّ إيمانه.
وسادسها : أنّ الإيمان إنّما يتمّ بالإقرار بوحدانية الله ، والإقرار بنبوّة موسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ فلمّا أقرّ فرعون بالوحدانية ، ولم يقر بنبوّة موسى لم يصحّ إيمانه ؛ كما لو قال الكافر ألف مرة : أشهد أن لا إله إلّا الله لم يصح إيمانه حتى يقول معه : وأشهد أنّ محمدا رسول الله ، فكذا ههنا.
وسابعها : روى الزمخشري أنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ أتى فرعون مستفتيا : ما قول