الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته ، فكفر بنعمته وجحد حقّه ، وادّعى السّيادة دونه؟ فكتب فرعون يقول : أبو العباس الوليد بن مصعب : جزاء العبد الخارج على سيده ، الكافر بنعمته أن يغرق في البحر ، ثمّ إنّ فرعون لما غرق ؛ رفع جبريل عليهالسلام فتياه إليه.
قوله «الآن» منصوب بمحذوف أي : آمنت الآن ، أو أتؤمن الآن.
وقوله : (وَقَدْ عَصَيْتَ) جملة حالية ، تقدّم نظيرها.
واختلفوا في قائل هذا الكلام ، فقيل : هو جبريل ، وإنّما قال : (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) في مقابلة قوله (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وقيل : القائل هو الله تعالى ؛ لأنّه قال بعده : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) إلى أن قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) ، وهذا ليس إلّا كلام الله تعالى.
فإن قيل : ظاهر اللفظ يدلّ على أنّه إنّما لم تقبل التوبة للمعصية المتقدمة ، والفساد السّابق ، وهذا التعليل لا يمنع من قبول التوبة.
فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ قبول التّوبة غير واجب عقلا ، ويدلّ عليه هذه الآية.
الثاني : أنّ التعليل ما وقع لمجرّد المعصية السّابقة ، بل بتلك مع كونه من المفسدين.
فصل
روي أن جبريل ـ عليهالسلام ـ أخذ يملأ فمه بالطّين لئلّا يتوب غضبا عليه والأقرب أنّ هذا لا يصحّ ؛ لأنّه في تلك الحال إمّا أن يقال التكليف كان ثابتا ، أو ما كان ثابتا ، فإن كان ثابتا لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة ، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة ، وعلى كلّ الطّاعات ، لقوله تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [المائدة : ٢] وأيضا ، فلو منعه بما ذكر لكانت التّوبة ممكنة ؛ لأنّ الأخرس قد يتوب بأن يندم بقلبه ويعزم على ترك معاودة القبيح ، فلا يبقى لما فعله جبريل فائدة ، وأيضا لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر ، والرّضا بالكفر كفر وأيضا كيف يليق بالله تعالى أن يقول لموسى وهارون ـ عليهما الصلاة والسّلام ـ (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤] ثمّ يأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان.
فإن قيل : إنّ جبريل إنّما فعل ذلك من قبل نفسه لا بأمر الله ، فهذا يبطله قول جبريل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم : ٦٤] وقوله تعالى في صفة الملائكة : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧].
وإن قيل إنّ التكليف كان زائلا عن فرعون في ذلك الوقت ، فلا يبقى للفعل المنسوب لجبريل فائدة أصلا.
قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) في «ببدنك» وجهان :