مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(١٠٠)
قال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) الآية.
لمّا ذكر خاتمة فرعون ذكر خاتمة بني إسرائيل ، فقال : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا) أي : أسكنا بني إسرائيل (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي : مكانا محمودا.
ويجوز أن يكون (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) منصوبا على المصدر ، أي : بوّأناهم مبوّأ صدق ، وأن يكون مكانا أي : مكان تبوّء صدق.
ويجوز أن ينتصب «مبوّأ» على أنّه مفعول ثان كقوله تعالى : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) [العنكبوت : ٥٨] أي : لننزلنّهم. ووصف المبوّأ بكونه صدقا ؛ لأنّ عادة العرب أنها إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصّدق ، تقول : رجل صدق ، وقدم صدق ، قال تعالى : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) [الإسراء : ٨٠].
والمراد بالمبوّأ الصدق : قيل : «مصر» ، وقيل : الأردن وفلسطين وهي الأرض المقدسة (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الحلال (فَمَا اخْتَلَفُوا) يعنى اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم في تصديقه وأنه نبيّ حقّ (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعنى القرآن ، والبيان بأنه رسول الله صدق ودينه حق ، وسمى القرآن علما ؛ لأنه سبب العلم ، وتسمية المسبّب باسم السبب مجاز مشهور.
قال ابن عباس : هم قريظة والنّضير وبنو قينقاع أنزلناهم منزل صدق : ما بين المدينة ، والشام ورزقناهم من الطيبات ، وهو ما في تلك البلاد من الرطب ، والتمر الذي لا يوجد مثله في البلاد (١) وقيل : المراد بني إسرائيل الذين نجوا من فرعون أورثهم الله جميع ما كان تحت أيدي قوم فرعون من الناطق ، والصامت ، والحرث ، والنسل ، كما قال : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) [الأعراف : ١٣٧].
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٧ / ١٢٧).