أو يعارض ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ١] وقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ويدلّ على ذلك قوله في آخر السورة: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) [يونس : ١٠٤] وأيضا لو كان شاكّا في نبوة نفسه ؛ لكان شك غيره في نبوته أولى ، وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية ، وأيضا فبتقدير أن يكون شاكّا في نبوّة نفسه ، فكيف يزول هذا الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم كفار ، وإن كان قد حصل فيهم مؤمن إلّا أن قوله ليس بحجة ، لا سيّما وقد تقرّر أنهم حرّفوا التوراة ، والإنجيل ؛ فثبت أنّ هذا الخطاب وإن كان في الظّاهر مع الرسول إلّا أنّ المراد هو الأمة ، وعلى هذا فإنّ الناس في زمانه كانوا فرقا ثلاثة :
المصدقون ، والمكذبون ، والمتوقفون في أمره الشّاكون فيه ، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال : أيّها الإنسان : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) من الهدى على لسان محمد فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحّة نبوّته».
ولمّا ذكر الله تعالى لهم ما يزيل الشّك عنهم ، حذّرهم من أن يلحقوا بالقسم الثاني ، وهم المكذّبون ، فقال : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) [يونس : ٩٥] الآية.
وقيل : كنى بالشّك عن الضّيق. وقيل : كنى به عن العجب ، ووجه المجاز فيه أنّ كلّا منهما فيه تردّد ، وقال الكسائيّ : إن كنت في شكّ أنّ هذه عادتهم مع الأنبياء ؛ فسلهم كيف صبر موسى ـ عليهالسلام ـ؟.
وقيل : إنه تعالى علم أنّ الرسول لم يشك في ذلك ، إلّا أنّ المقصود منه أنّه متى سمع هذا الكلام فإنّه يصرخ ويقول «يا ربّ لا أشك ، ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب ، بل يكفيني ما أنزلته عليّ من الدلائل الظاهرة» ونظيره قوله تعالى للملائكة : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] والمقصود أن يصرّحوا بالجواب الحق ويقولوا : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ : ٤١].
وكقوله لعيسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] والمقصود منه أن يصرح عيسى بالبراءة عن ذلك. وقيل : التقدير إنّك لست بشاك البتة. ولو كنت شاكا لكان لك طرق كثيرة في إزالة الشّك كقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] أي : أنه لو فرض ذلك الممتنع واقعا ؛ لزم فيه المحال الفلاني ، فكذا ههنا ، ولو فرضنا وقوع الشّك فارجع إلى التّوراة ، والإنجيل لتعرف بهما أنّ هذا الشك زائل.
والوجه الثاني من وجهي إن أنّها نافية. قال الزمخشري : «أي : فما كنت في شكّ فاسأل ، يعنى لا نأمرك بالسّؤال لكونك شاكا ، ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بمعاينة إحياء الموتى» وهذا القول سبقه إليه الحسن البصريّ والحسين بن الفضل ، وكأنّه فرار من الإشكال المتقدّم في جعلها شرطية ، وقد تقدّم جوابه من وجوه.