قال القرطبي (١) : قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزّاهد : سمعت الإمامين : ثعلبا والمبرد يقولان : معنى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) أي : قل يا محمّد للكافر : فإن كنت في شكّ (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ).
وقال الفراء : أعلم الله أنّ رسوله غير شاكّ ، لكنّه ذكره على عادة العرب ، يقول الواحد لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ويقول لولده افعل كذا إن كنت ولدي ، ولا يكون ذلك شكّا.
وقال الفقيه : وقال بعضهم : هذا الخطاب لمن كان لا يقطع بتكذيب محمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ولا بتصديقه بل كان في شكّ.
وقيل : المراد بالخطاب النبي صلىاللهعليهوسلم والمعنى : لو كنت ممّن يلحقك شكّ فيما أخبرناك به ، فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشّكّ.
والمراد بالشّك هنا : ضيق الصدر ، أي : إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر واسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ، يخبروك صبر الأنبياء من قبلك على أذى قومهم وكيف كان عاقبة أمرهم. والشّكّ في اللغة : أصله الضّيق ، يقال : شكّ الثّوب ، أي : ضمّه بخلال حتى يصير كالوعاء ، فالشكّ يقبض الصدر ، ويضمه حتّى يضيق.
فصل
قال المحقّقون : المراد بالذين يقرءون الكتاب : المؤمنون من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ، وعبد الله بن صوريا ، وتميم الداري ، وكعب الأحبار ، لأنّهم هم الذين يوثق بأخبارهم.
وقال بعضهم : المراد الكل سواء كانوا من المسلمين أم من الكفّار ؛ لأنّهم إذا بلغوا عدد التواتر ، وقرؤوا آية من التّوراة ، والإنجيل ، وتلك الآية دالة على البشارة بمقدم النبيصلىاللهعليهوسلم فقد حصل الغرض.
وقرأ يحيى (٢) ، وإبراهيم : الكتب بالجمع ، وهي مبنية أنّ المراد بالكتاب الجنس لا كتاب واحد. فإن قيل : إن كتبهم قد دخلها التّحريف والتّغيير ، فكيف يمكن التعويل عليها؟.
فالجواب : أنهم إنما حرّفوها لإخفاء الآيات الدّالة على نبوّة محمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته ؛ كان ذلك من أقوى الدّلائل على صحّة نبوّة محمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لأنّها لمّا بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دلّ ذلك على أنّها كانت في غاية الظهور.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٢٤٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٧١ ، البحر المحيط ٥ / ١٩١ ، الدر المصون ٤ / ٦٩.