وفي مصحف أبيّ ، وعبد الله (١) ـ وقرأ كذلك ـ فهلّا ، وهي نصّ في التحضيض. وزعم عليّ بن عيسى ، والنّحّاس أنّ لو لا تأتي بمعنى ما النّافية ، وحملا على ذلك هذه الآية أي : ما كانت قرية نقله ابن قاسم ، وهو منقول أيضا عن الهرويّ ، وكانت هنا تامة و «آمنت» صفة ل «قرية» ، وفنفعها نسق على الصّفة.
قوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّه استثناء منقطع ، وإليه ذهب سيبويه ، والكسائي ، والأخفش ، والفراء ، ولذلك أدخله سيبويه في باب «ما لا يكون فيه إلّا النصب لانقطاعه» وإنما كان منقطعا ؛ لأنّ ما بعد «إلّا» لا يندرج تحت لفظ «قرية».
والثاني : أنّه متصل. قال الزمخشري : «استثناء من القرى ، لأنّ المراد أهاليها وهو استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس ، ويجوز أن يكون متّصلا ، والجملة في معنى النّفي كأنّه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلّا قوم يونس».
وقال ابن عطيّة (٢) : هو بحسب اللفظ استثناء منقطع ، وكذلك رسمه النّحويون ، وهو بحسب المعنى متصل لأنّ تقديره : ما آمن أهل قرية إلّا قوم يونس.
قال شهاب الدين (٣) : «وتقدير هذا المضاف هو الذي صحّح كونه استثناء متّصلا» ، وكذلك قال أبو البقاء ومكي وابن عطية وغيرهم. وأمّا الزّمخشري فإنّ ظاهر عبارته أنّ المصحّح لكونه متصلا كون الكلام في معنى النّفي ، وليس كذلك بل المسوّغ كون القرى يراد بها أهاليها من باب إطلاق المحلّ على الحالّ ، وهو أحد الأوجه المذكورة في قوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. وقرأت فرقة (٤) : «إلا قوم» بالرّفع. قال الزمخشريّ : وقرىء بالرفع على البدل ، روي ذلك عن الجرمي ، والكسائي.
وقال المهدويّ : «والرّفع على البدل من قرية». فظاهر هاتين العبارتين أنّها قراءة منقولة ، وظاهر قول مكّي ، وأبي البقاء أنّها ليست قراءة ، وإنّما ذلك من الجائز ، وجعلا الرّفع على وجه آخر غير البدل ، وهو كون «إلّا» بمعنى «غير» في وقوعها صفة.
قال مكي «ويجوز الرّفع على أن تجعل إلا بمعنى «غير» صفة للأهل المحذوفين في المعنى ، ثم يعرب ما بعد إلّا بإعراب «غير» لو ظهرت في موضع «إلّا». وقال أبو البقاء ـ وأظنه أخذه منه ـ : ولو كان قد قرىء بالرّفع لكانت إلّا فيه بمنزلة غير فيكون صفة ، وقد تقدم أن في نون يونس ثلاث لغات وقرىء بها.
فصل
قال البغويّ : المعنى فلم تكن قرية ؛ لأن في الاستفهام ضربا من الجحد ؛ أي : أهل
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٧١ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٤٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٩٢ ، الدر المصون ٤ / ٦٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٤٤.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٧٠.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٤٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٩٢ ، الدر المصون ٤ / ٦٩.