الكسر ، والباقون بضمها نقلوا حركة الهمزة إلى اللّام.
قوله : «ماذا» يجوز أن يكون «ماذا» كله استفهاما مبتدأ ، و (فِي السَّماواتِ) خبره أي : أيّ شيء في السّموات؟ ويجوز أن تكون «ما» مبتدأ ، و «ذا» بمعنى الذي ، و (فِي السَّماواتِ) صلته وهو خبر المبتدأ ، وعلى التقديرين فالمبتدأ وخبره في محلّ نصب بإسقاط الخافض لأنّ الفعل قبله معلق بالاستفهام ، ويجوز على ضعف أن يكون «ماذا» كله موصولا بمعنى «الّذي» وهو في محل نصب ب «انظروا». ووجه ضعفه أنّه لا يخلو : إمّا أن يكون النظر بمعنى البصر فيعدّى ب «إلى» ، وإمّا أن يكون قلبيّا فيعدّى ب «في» ، وقد تقدّم الكلام في «ماذا».
فصل
المعنى : قل للمشركين الذين يسألونك عن الإيمان : (انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) واعلم أنّه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلّا بالنّظر في الدّلائل. قال عليه الصلاة والسّلام : «تفكّروا في الخلق ولا تتفكّروا في الخالق» (١). والدّلائل إمّا أن تكون من عالم السموات ، أو من عالم الأرض ، أمّا الدلائل السماوية ، فهي حركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها ، وما يختص به كل واحد منها ، وأمّا الدلائل الأرضية ، فهي النظر في أحوال العناصر العلوية ، وفي أحوال المعادن والنبات ، وأحوال الإنسان ، وينقسم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواع لا نهاية لها. ولو أنّ الإنسان أخذ يتفكّر في كيفية حكمة الله تعالى في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقله قبل أن يصل إلى أوّل مرتبة من مراتب تلك الفوائد.
ثم لمّا أمر بهذا التفكّر بيّن بعده أنّ هذا التّفكر والتّدبر في هذه الآيات لا ينفع في حقّ من حكم الله عليه في الأزل بأنّه لا يؤمن فقال : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).
قوله : (وَما تُغْنِي) يجوز في «ما» أن تكون استفهامية ، وهي واقعة موقع المصدر أي : أيّ غناء تغني الايات؟ ويجوز أن تكون نافية ، وهو الظّاهر.
وقال ابن عطية (٢) : ويحتمل أن تكون «ما» في قوله : (وَما تُغْنِي) مفعولة بقوله : «انظروا» معطوفة على قوله : «ماذا» أي : تأمّلوا قدر غناء الآيات والنّذر عن الكفّار. قال أبو حيان : وفيه ضعف ، وفي قوله : معطوفة على «ماذا» تجوّز ، يعنى أنّ الجملة الاستفهامية التي هي (ما ذا فِي السَّماواتِ) في موضع المفعول ؛ لأنّ «ماذا» وحده منصوب ب «انظروا» فتكون «ماذا» موصولة ، و «انظروا» بصرية لما تقدّم من أنّه لو كانت بصرية
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٠) عن عبد الله بن سلام وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة» والأصبهاني في «الترغيب» وعن عمرو بن مرة ، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في «التفكر» والأصبهاني في «الترغيب».
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٧١.