كأنزل ونزّل ، وجمهور القرّاء لم ينقلوا الخلاف إلّا في هذا دون قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) [يونس : ٩٢] ودون قوله (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) [يونس : ١٠٣]. وقد نقل أبو علي الأزهري الخلاف فيهما أيضا ، ورسم في المصاحف بجيم دون ياء.
فصل
قال القاضي (١) : قوله (حَقًّا عَلَيْنا) المراد به الوجوب ؛ لأنّ تخليص الرّسول ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ـ والمؤمنين من العذاب إلى الثّواب واجب ، ولو لاه ما حسن من الله تعالى أن يلزمهم الأفعال الشّاقّة ، وهذا يجري مجرى قضاء الدّين.
والجواب ، بأن نقول : إنّه حقّ بحسب الوعد والحكم ، ولا نقول إنّه حق بحسب الاستحقاق لما ثبت أنّ العبد لا يستحقّ على خالقه شيئا.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)(١٠٨)
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(١٠٩)
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) الآية.
لمّا بالغ في ذكر الدليل أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بإظهار دينه ، وإظهار المباينة عن المشركين ، لكي تزول الشكوك والشبهات في أمره.
فإن قيل : كيف قال (فِي شَكٍّ) وهم كافرون يعتقدون بطلان ما جاء به؟.
قيل : كان فيهم شاكون ، فهم المراد بالآية ، أو أنّهم لمّا رأوا الآيات اضطربوا ، وشكّوا في أمرهم وأمر النبي ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ـ.
قوله : (فَلا أَعْبُدُ) جواب الشّرط ، والفعل خبر ابتداء مضمر تقديره : فأنا لا أعبد ، ولو وقع المضارع منفيا ب «لا» دون فاء لجزم ، ولكنّه مع الفاء يرفع كما تقدّم ذكره ، وكذا لو لم ينف ب «لا» كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] ، أي : فهو ينتقم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ١٣٧.