الكلام ؛ لأنّ قوله (أَنْ أَكُونَ) كون من أكوان المؤمنين ، ووصل «أن» بصيغة الأمر جائز ، كما تقدّم تحريره.
وقال الزمخشريّ (١) : فإن قلت : عطف قوله : (وَأَنْ أَقِمْ) على (أَنْ أَكُونَ) فيه إشكال ؛ لأنّ أن لا تخلو : إمّا أن تكون التي للعبارة ، أو التي تكون مع الفعل في تأويل المصدر ، فلا يصحّ أن تكون التي للعبارة ، وإن كان الأمر ممّا يتضمّن معنى القول ؛ لأنّ عطفها على الموصولة ينافي ذلك ، والقول بكونها موصولة مثل الأولى لا يساعد عليه لفظ الأمر وهو «أقم» ؛ لأنّ الصّلة حقّها أن تكون جملة تحتمل الصّدق والكذب.
قلت : قد سوّغ سيبويه أن توصل «أن» بالأمر والنّهي ، وشبّه ذلك بقولهم : «أنت الذي تفعل» على الخطاب ؛ لأنّ الغرض وصلها بما تكون معه في تأويل المصدر ، والأمر والنّهي دالّان على المصدر دلالة غيرهما من الأفعال.
قال شهاب الدين : وقد تقدّم الإشكال في ذلك وهو أنّه إذا قدّرت بالمصدر فاتت الدّلالة على الأمر والنّهي.
ورجّح أبو حيّان كونها مصدرية على إضمار فعل كما تقدّم تقريره قال : «ليزول قلق العطف لوجود الكاف ، إذ لو كان (وَأَنْ أَقِمْ) عطفا على (أَنْ أَكُونَ) لكان التّركيب «وجهي» بياء المتكلم ، ومراعاة المعنى فيه ضعف ، وإضمار الفعل أكثر».
قال ابن الخطيب (٢) : الواو في قوله : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) حرف عطف ، وفي المعطوف عليه وجهان :
الأول : أنّ قوله : وأمرت أن أكون قائم مقام قوله : وقيل لي كن من المؤمنين ثم عطف عليه (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ).
الثاني : أنّ قوله (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) قائم مقام قوله : (وَأُمِرْتُ) بإقامة الوجه ، فيصير التقدير : وأمرت بأن أكون من المؤمنين ، وبإقامة الوجه للدّين حنيفا.
قوله : «حنيفا» يجوز أن يكون حالا من «الدّين» ، وأن يكون حالا من فاعل «أقم» أو مفعوله.
فصل
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : معنى قوله : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) أي : عملك (٣). وقيل : استقم على الدّين حنيفا.
قال ابن الخطيب (٤) : «إقامة الوجه كناية عن توجيه العقل بالكليّة إلى طلب الدّين ؛
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٧٤.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ١٣٨.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧١).
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ١٣٨.