و «كبير» صفة ل «يوم» مبالغة لما يقع فيه من الأهوال.
وقيل : بل «كبير» صفة ل «عذاب» فهو منصوب ، وإنّما خفض على الجوار ؛ كقوله: «هذا جحر ضبّ خرب» بجرّ خرب وهو صفة ل «جحر» ؛ وقول امرىء القيس : [الطويل]
٢٩٤٢ ـ كأنّ ثبيرا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمّل (١) |
بجر «مزمّل» وهو صفة ل «كبير». وقد تقدّم البحث في ذلك في سورة المائدة.
ثم قال : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير).
وهذا فيه تهديد وبشارة ، فالتّهديد قوله (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) يدلّ على أنّ مرجعنا إليه ، وهو قادر على جميع المقدورات لا دافع لقضائه ، ولا مانع لمشيئته ، والرّجوع إلى الحاكم الموصوف بهذه الصفة مع العيوب الكثيرة والذّنوب العظيمة مشكل ، وأمّا البشارة ، فإنّ ذلك يدلّ على قدرة عالية وجلالة عظيمة لهذا الحاكم ، وعلى ضعف تام ، وعجز عظيم لهذا العبد ، والملك القادر القاهر الغالب إذا رأى أحدا أشرف على الهلاك ؛ فإنه يخلصه من تلك الهلكة ، ومنه المثل المشهور «إذا ملكت فأسجح».
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٦)
لمّا قال : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن عبادة الله وطاعته ، بيّن بعده صفة ذلك التولي فقال : (أَلا إِنَّهُمْ) يعني الكفّار (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يقال : ثنيت الشّيء إذا عطفته وطويته.
وقرأ الجمهور : بفتح الياء وسكون الثّاء المثلثة ، وهو مضارع «ثنى يثني ثنيا» ، أي طوى وزوى ، و «صدورهم» مفعول به ، والمعنى : يحرفون صدورهم ووجوههم عن الحق وقبوله ، والأصل «يثنيون» فأعلّ بحذف الضّمة عن الياء ، ثمّ تحذف الياء لالتقاء الساكنين.
وقرأ سعيد (٢) بن جبير «يثنون» وهو مضارع «أثنى» كأكرم.
واستشكل النّاس هذه القراءة فقال أبو البقاء : ماضيه أثنى ، ولا يعرف في اللغة ، إلّا أن يقال : معناه عرضوها للانثناء ، كما يقال : أبعت الفرس : إذا عرضته للبيع.
وقال صاحب اللّوامح : ولا يعرف الإثناء في هذا الباب ، إلّا أن يراد به : وجدتها مثنيّة ، مثل : أحمدته وأمجدته ، ولعلّه فتح النون ، وهذا ممّا فعل بهم فيكون نصب
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٥٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٠٣ والدر المصون ٤ / ٧٨.