قوله : «شاهدين» الجمهور على قراءته بالياء نصبا على الحال من فاعل : «يعمروا» أراد : وهم شاهدون. وقرأ زيد (١) بن علي : «شاهدون» بالواو رفعا على خبر ابتداء مضمر ، والجملة حال أيضا.
قوله (عَلى أَنْفُسِهِمْ) الجمهور على «أنفسهم» جمع «نفس» وقرىء (٢) «أنفسهم» بضم الفاء ، ووجهها أن يراد ب «الأنفس» ـ وهو الأشرف الأجل من النّفاسة ـ : رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
قيل : لأنه ليس بطن من بطون العرب إلّا وله فيهم ولادة ، وهذا المعنى منقول في تفسير قراءة الجمهور أيضا ، وهو مع هذه القراءة أوضح.
فصل
قال الحسن : «لم يقولوا نحن كفار ، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر» (٣).
وقال الضحاك عن ابن عبّاس : «شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام ، فكانوا يطوفون بالبيت عراة ، وكانت أصنامهم منصوبة بخارج البيت الحرام عند القواعد ، وكلّما طافوا شوطا سجدوا لأصنامهم ، ولم يزدادوا بذلك من الله إلّا بعدا» (٤).
وقال السدي : «شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، هو أن النصراني يسأل من أنت؟ فيقول: أنا نصراني ، واليهودي يقول أنا يهودي ، ويقال للمشرك ما دينك؟ فيقول : مشرك»(٥).
وقيل : إنّهم كانوا يقولون : لبيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك ، ونقل عن ابن عباس أنه قال : «المراد أنهم يشهدون على الرسول بالكفر ، قال : وإنّما جاز هذا التفسير ، لقوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(٦) [التوبة : ١٢٨].
قال القاضي «هذا عدول عن الحقيقة ، وإنما يجوز المصير إليه لو تعذّر إجراء اللفظ على حقيقته ، أمّا لما بيّنا أنّ ذلك جائز لم يجز المصير إلى هذا المجاز».
قوله (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لأنها لغير الله ، ثم قال : (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) هذه جملة مستأنفة و (فِي النَّارِ) متعلق بالخبر ، وقدّم للاهتمام به ، ولأجل الفاصلة.
وقال أبو البقاء (٧) : «وهم خالدون في النّار ، وقد وقع الظرف بين حرف العطف
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢١ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٣.
(٢) انظر السابق.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٤) عن الحسن.
(٤) انظر المصدر السابق.
(٥) انظر المصدر السابق وذكره أيضا الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٨).
(٦) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٨) عن ابن عباس.
(٧) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٣.