«ساحر» فالإشارة ب «هذا» إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويجوز أن يراد ب «هذا» في القراءة الأولى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ويكون جعلوه سحرا مبالغة ، أو على حذف مضاف ، أي : إلّا ذو سحر ، ويجوز أن يراد ب «ساحر» نفس القرآن مجازا كقولهم : «شعر شاعر» و «جدّ جدّه».
فإن قيل : كيف يمكن وصف هذا القول بأنه سحر؟.
فالجواب : من وجوه.
أحدها : قال القفال : معناه أنّ هذا القول خديعة منكم ، وضعتموه لمنع الناس من لذّات الدنيا وإحرازا لهم إلى الانقياد لكم والدّخول تحت طاعتكم.
وثانيها : أن قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) معناه : أنّ السّحر أمر باطل ، قال تعالى حاكيا عن موسى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) [يونس : ٨١].
وثالثها : أنّ القرآن هو الحاكم بحصول البعث ، وطعنوا في القرآن بكونه سحرا ، والطعن في الأصل عين الطعن في الفرع.
ورابعها : قراءة (١) حمزة والكسائي «إن هذا إلا ساحر» والسّاحر كاذب.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٨)
قال الحسن : حكم الله أنه لا يعذب أحدا من هذه الأمة بعذاب الاستئصال ، وأخّر ذلك العذاب إلى القيامة ؛ فلمّا أخّر عنهم ذلك العذاب قالوا على سبيل الاستهزاء : ما الذي حبسه عنّا؟ (٢).
وقيل : المراد بالعذاب : ما نزل بهم يوم بدر.
وأصل «الأمّة» الجماعة ، قال تعالى : (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) [القصص : ٢٣] وقوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] ، أي : انقضاء أمة ، فكأنّه قال : إلى انقراض أمة ومجيء أخرى.
وقيل : اشتقاق الأمّة من الأمّ ، وهو القصد ، كأنّه يعني الوقت المقصود بإيقاع الموعود فيه. (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي شيء يحبسه ، يقولون ذلك ، استعجالا للعذاب واستهزاء ، يعنون أنه ليس بشيء.
قوله : «ليقولنّ» هذا الفعل معرب على المشهور ؛ لأنّ النّون مفصولة تقديرا ، إذ الأصل: «ليقولوننّ» النون الأولى للرفع ، وبعدها نون مشددة ، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال ،
__________________
(١) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٣ والمحرر الوجيز ٣ / ١٥٣ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٠٦ ، والدر المصون ٤ / ٨١.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٧ / ١٥١).