إشكال ، لأنّ هذه السّورة مكية ، وبعض السّور المتقدمة مدنية ، فكيف يمكن أن يكون المراد هذه العشر عند نزول هذا الكلام؟ فالأولى أن يقال التحدي وقع بمطلق السور.
فإن قيل : قد قال في سورة يونس (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) [يونس : ٣٨] وقد عجزوا عنه. فكيف قال (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ) فهو كرجل يقول لآخر : أعطني درهما ؛ فيعجز ، فيقول: أعطني عشرة؟.
فالجواب : قد قيل : نزلت سورة هود أولا ، وأنكر المبرد هذا وقال : بل سورة يونس أولا ، وقال : ومعنى قوله في سورة يونس : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) أي : مثله في الإخبار عن الغيب ، والأحكام ، والوعد والوعيد ، فعجزوا ، فقال لهم في سورة هود : إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الإخبار ، والأحكام ، والوعد ، والوعيد (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) من غير وعد ووعيد ، وإنما هي مجرد بلاغة.
فصل
اختلفوا في الوجه الذي كان القرآن لأجله معجزا ، فقيل : هو الفصاحة وقيل : الأسلوب ، وقيل : عدم التناقض ، وقيل : اشتماله على الإخبار عن الغيوب ، والمختار عند الأكثرين أن القرآن معجز من جهة الفصاحة ، واستدلّوا بهذه الآية ، لأنّه لو كان إعجازه هو كثرة العلوم ، أو الإخبار عن الغيوب ، أو عدم التناقض لم يكن لقوله : «مفتريات» معنى ، أمّا إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صحّ ذلك ؛ لأنّ فصاحة الفصيح تظهر بالكلام ، سواء كان الكلام صدقا أو كذبا ، ثم إنه لمّا قرر وجه التحدّي قال : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) واستعينوا بمن استطعتم (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فإن لم (يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) يا أصحاب محمد ، وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسول ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه وحده ـ والمراد بقوله : «فإن لم (يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي : الكفار ، يحتمل أنّ من يدعونه من دون الله لم يستجيبوا.
قوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ) «ما» يجوز أن تكون كافة مهيئة. وفي «أنزل» ضمير يعود على (ما يُوحى إِلَيْكَ) [هود : ١٢] ، و «بعلم» حال أي : ملتبسا بعلمه ، ويجوز أن تكون موصولة اسمية أو حرفية اسما ل «أنّ» والخبر الجارّ تقديره : فاعلموا أن تنزيله ، أو أن الذي أنزل ملتبس بعلم (١).
وقرأ زيد بن علي «نزّل» بفتح النون والزاي المشددة ، وفاعل «نزّل» ضمير الله تعالى ، و (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) نسق على «أنّ» قبلها ، ولكن هذه مخففة فاسمها محذوف ، وجملة النّفي خبرها.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٠٩ ، والدر المصون ٤ / ٨٤.