فصل
إن قلنا هذا خطاب للمؤمنين ، فالمعنى : ابقوا على العلم الذي أنتم عليه ؛ لتزدادوا يقينا وثبات قدم ، على أنه منزّل من عند الله.
وقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : مخلصون ، وقيل : فيه إضمار ، أي : فقولوا أيّها المسلمون للكفار : اعلموا أنّما أنزل بعلم الله ، يعني القرآن.
وقيل : أنزله ، وفيه علمه ، وإن قيل : إن هذا الخطاب مع الكفار ، فالمعنى : إن الذين تدعونهم من دون الله ، إذا لم يستجيبوا لكم في الإعانة على المعارضة ، فاعلموا أيها الكفار ؛ أن هذا القرآن ، إنما أنزل بعلمه ، فهل أنتم مسلمون ، فقد وقعت الحجة عليكم ، وأن لا إله إلا هو ، فاعلموا أنّه لا إله إلا هو.
(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لفظه استفهام ، ومعناه أمر ، أي : أسلموا.
قال بعض المفسّرين : وهذا القول أولى ؛ لأن القول الأول يحتاج فيه إلى إضمار القول ، وهذا لا يحتاج إلى إضمار ، وأيضا : فعود الضمير إلى أقرب مذكور أولى ، وأيضا : فالخطاب الأول كان مع الكفار بقوله : (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ،) وأيضا فالأول أمر بالثبات.
فإن قيل : أين يعلّق الشرط المذكور في هذه الآية ، وأين ما فيها من الجزاء؟
فالجواب : أن القوم ادعوا كون القرآن مفترّى على الله تعالى ، فقال : لو كان مفترّى على الله تعالى ، لوجب أن يقدر الخلق على مثله ، ولما لم يقدروا عليه ، ثبت أنّه من الله ، فقوله (أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) : كناية عن كونه من عند الله ، ومن قبله ؛ كما يقول الحاكم : هذا الحكم جدير بعلمي.
فإن قيل : أي تعلّق لقوله : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بعجزهم عن المعارضة؟.
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنه تعالى لمّا أمر محمدا ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ـ بأن يطلب من الكفار أن يستعينوا بالأصنام في تحقيق المعارضة ثم ظهر عجزهم عنها فحينئذ ظهر أنّها لا تنفع ولا تضرّ في شيء من المطالب ألبتة ، ومن كان كذلك ، فقد بطلت إلهيته ، فصار عجز القوم عن المعارضة بعد الاستعانة بالأصنام مبطلا لإلهية الأصنام ، ودليلا على إثبات نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم ، فكان قوله : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إشارة إلى ظهور فساد إلاهيّة الأصنام.
وثانيها : أنّه ثبت في علم الأصول أنّ القول بنفي الشّريك عن الله من المسائل التي يمكن إثباتها بقول الرّسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فكأنّه قيل : لمّا ثبت عجز الخصوم عن المعارضة ثبت كون القرآن حقا ، وثبت كون قول محمد صدقا في دعوى الرّسالة.