وإذا ثبت ذلك فأعلمهم يا محمد أن لا إله إلا هو ، واتركوا الإصرار على الكفر ، واقبلوا الإسلام. ونظيره قوله تعالى ـ في سورة البقرة عند ذكر آية التحدّي ـ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤].
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦)
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية.
قيل : إنّها مختصة بالكفّار لقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود : ١٦] وهذا ليس إلّا للكفار ، فيكون التقدير : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فقط ، أي : تكون إرادته مقصورة على حبّ الدنيا وزينتها ، ومن طلب السعادات الأخرويّة كان حكمه كذا وكذا.
واختلف القائلون بهذا القول فقال الأصم : المراد منكرو البعث فإنّهم ينكرون الآخرة ويرغبون في سعادات الدّنيا.
وقيل : المراد المنافقون ، كانوا يطلبون بغزوهم مع الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ الغنائم من غير أن يؤمنوا بالآخرة.
وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ : المراد اليهود والنّصارى (١).
وقال القاضي : المراد من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها.
وعمل الخير قسمان :
العبادات وإيصال المنفعة إلى الحيوان كالبر ، وصلة الرّحم ، والصّدقة ، وبناء القناطر ، وتسوية الطرق ، ودفع الشر ، وإجراء الأنهار ، فهذه الأشياء إذا أتى بها الكافر لأجل الثناء في الدّنيا ، فإنّ بسببها تصل الخيرات والمنافع إلى المحتاجين ، وهي من أعمال الخير ، فقد تصدر من المسلم والكافر.
وأمّا العبادات فإمّا أن تكون طاعات بنيّات مخصوصة ، فإذا لم يؤت بتلك النّية ، وإنّما أتى فاعلها بها طلبا لزينة الدنيا ، وتحصيل الرّياء والسمعة ؛ فلا تكون طاعة ووجودها كعدمها بل هو شر منها.
وعلى هذا فالمراد منه الطّاعات التي يصحّ صدورها من الكفار.
وقيل : الآية على ظاهرها في العموم ؛ فيندرج فيه المؤمن الذي يأتي بالطّاعات رياء وسمعة ويندرج فيه الكافر الذي هذا صفته.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٤) وعزاه إلى الطبري وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن أنس.