ويشكل على هذا قوله في آخر الآية (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) إلّا إذا قلنا : إنّ المراد : أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار بسبب الأعمال الفاسدة ، والأفعال الباطلة.
والقائلون بهذا القول أكّدوا قولهم بما روي عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «تعوّذوا بالله من جبّ الحزن» قيل : وما جبّ الحزن؟ قال : «واد في جهنّم يلقى فيه القرّاء المراءون» (١).
وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة من يرى النّاس فيه خيرا ولا خير فيه» (٢).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا كان يوم القيامة يؤتى برجل جمع القرآن فيقال : ما عملت فيه؟ فيقول : يا رب قمت به آناء اللّيل ، والنّهار ، فيقول الله ـ تبارك وتعالى ـ كذبت بل أردت أن يقال : فلان قارىء ، وقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله عزوجل ألم أوسّع عليك؟ فماذا عملت فيما آتيتك؟ فيقول : وصلت الرّحم وتصدّقت ، فيقول : كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد ، وقد قيل ذلك ، ويؤتى بمن قتل في سبيل الله فيقول : قاتلت في سبيل الله حتّى قتلت ، فيقول الله عزوجل كذبت بل أردت أن يقال : فلان فارس».
ثم ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ركبتي وقال : «يا أبا هريرة أولئك الثّلاثة أوّل خلق تسعّر بهم النّار يوم القيامة».
وقد روي أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ ذكر هذا الحديث عند معاوية ـ رضي الله عنه(٣) ـ. قال الراوي : فبكى حتّى ظننا أنّه هالك ثمّ أفاق وقال : صدق الله ورسوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
فصل
نقل القرطبيّ عن بعض العلماء :
أنّ معنى هذه الآية : هو قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما الأعمال بالنّيات» (٤) ، وهذا يدلّ على من صام في رمضان لا عن رمضان لا يقع عن رمضان ، وتدلّ على أن من توضّأ للتبرد والتنظف لا يقع عن جهة الصّلاة ، وكذلك كل من كان في معناه.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٥١٢) كتاب الزهد : باب ما جاء في الرياء والسمعة حديث (٢٣٨٣) وابن ماجه (١ / ٩٤) المقدمة : باب الانتفاع بالعلم والعمل به حديث (٢٥٦) من حديث أبي هريرة.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
(٢) ذكره السيوطي في الجامع الكبير (٣٢٦٤) وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٣ / ٤٧٣) رقم (٧٤٨٥) وعزاه إلى أبي عبد الرحمن السلمي في الأربعين الصوفية والديلمي في «مسند الفردوس» عن ابن عمر.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.