وقرأ محمد بن السّائب الكلبي (١) «كتاب موسى» بالنّصب وفيه وجهان :
أظهرهما : أنّه معطوف على الهاء في «يتلوه» ، أي : يتلوه ، ويتلو كتاب موسى ، وفصل بالجارّ بين العاطف والمعطوف.
والثاني : أنّه منصوب بإضمار فعل. قال أبو البقاء (٢) : «وقد تمّ الكلام عند قوله «منه» و (كِتابُ مُوسى) ، أي : «ويتلوا كتاب موسى» فقدّر فعلا مثل الملفوظ به ، وكأنّه لم ير الفصل بين العاطف والمعطوف ، فلذلك قدّر فعلا».
و (إِماماً وَرَحْمَةً) منصوبان على الحال من (كِتابُ مُوسى) سواء أقرىء رفعا أم نصبا.
و «أولئك» إشارة إلى من كان على بيّنة ، جمع على معناها ، وهذا إن أريد ب (مَنْ كانَ) النبيّ وصحابته ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ، ورضي عن صحابته أجمعين ـ وإن أريد هو وحده فيجور أن يكون عظّمه بإشارة الجمع كقوله : [الطويل]
٢٩٥٢ ـ فإن شئت حرّمت النّساء سواكم |
|
......... (٣) |
والهاء في «به» يجوز أن تعود على (كِتابُ مُوسى) وهو أقرب مذكور. وقيل : بالقرآن ، وقيل : بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك الهاء في «به» الثانية.
و «الأحزاب» الجماعة التي فيها غلظة ، كأنّهم لكثرتهم وصفوا بذلك ، وفيه وصف حمار الوحش ب «حزابية» لغلظه. والأحزاب جمع حزب وهو جماعة النّاس.
فصل
قيل : في الآية حذف ، والتقدير : «ا فمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها» ، أو من كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضّلالة.
والمراد بالذي هو عليه بيّنة : النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ. (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أي : يتبعه من يشهد له بصدقه.
واختلفوا في هذا الشّاهد : فقال ابن عبّاس ، وعلقمة ، وإبراهيم ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك وأكثر المفسّرين ـ رضي الله عنهم ـ : إنّه جبريل ـ عليه الصلاة والسّلام ـ (٤) وقال الحسن وقتادة : هو لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٥).
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٥٨ ، الدر المصون ٤ / ٨٦.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٣٦.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٧ ـ ١٨) عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وإبراهيم وأبي صالح وأبي العالية.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٧) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عنه وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٧).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٦) عن الحسن وقتادة.