محسوس ، وذلك أنّه شبّه عمى البصيرة وصممها بعمى البصر وصمم السّمع ، ذاك متردّد في ظلم الضّلالات ، كما أنّ هذا متحير في الطّرقات.
قوله : «مثلا» تمييز ، وهو منقول من الفاعليّة ، والأصل : هل يستوي مثلهما ، كقوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] وجوّز ابن عطية أن يكون حالا ، وفيه بعد صناعة ومعنى ؛ لأنّه على معنى «من» لا على معنى «في».
ثم قال : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) منبّها على أنّه يمكنه علاج هذا العمى وهذا الصّمم ، وإذا كان العلاج ممكنا ، وجب على العاقل أن يسعى في ذلك العلاج بقدر الإمكان.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٣٤)
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ)(٣٥)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الآية.
اعلم أنّه جرت عادته ـ تعالى ـ في القرآن بأنّه إذا أورد على الكافر الدّلائل أتبعها بالقصص ليؤكّد تلك الدّلائل ، وقد بدأ بذكر هذه القصّة في سورة يونس ، وأعادها ههنا لما فيها من زوائد الفوائد.
قوله (إِنِّي لَكُمْ) قرأ ابن كثير (١) وأبو عمرو والكسائي بفتح همزة «إني» ، والباقون بكسرها.
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣١٥ ، وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٧٨ وحجة القراءات ص ٣٣٧ والمحرر الوجيز ٣ / ١٦٢ والبحر المحيط ٥ / ٢١٤ والدر المصون ٤ / ٩٠.