الثالث من السّبعة : أن ينتصب على المصدر ومجيء المصدر على فاعل أيضا ليس بالقياس ، والعامل في هذا المصدر كالعامل في الظّرف كما تقدّم ، ويكون من باب ما جاء فيه المصدر من معنى الفعل لا من لفظه ، تقديره : رؤية بدء ، أو ظهور ، أو اتباع بدء أو ظهور ، أو رذالة بدء.
الرابع من السبعة : أن يكون نعتا ل «بشر» ، أي : ما نراك إلّا بشرا مثلنا بادي الرأي ، أي : ظاهره ، أو مبتدئا فيه. وفيه بعد للفصل بين النّعت والمنعوت بالجملة المعطوفة.
الخامس : أنّه حال من مفعول «اتّبعك» ، أي : وأنت مكشوف الرّأي ظاهره لا قوة فيه ، ولا حصانة لك.
السادس : أنه منادى والمراد به نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، كأنّهم قالوا : يا بادي الرّأي ، أي : ما في نفسك ظاهر لكلّ أحد ، قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء به ، والاستقلال له.
السابع : أنّ العامل فيه مضمر ، تقديره : أتقول ذلك بادي الرّأي ، ذكره أبو البقاء ، والأصل عدم الإضمار مع الاستغناء عنه ، وعلى هذه الأوجه الأربعة الأخيرة هو اسم فاعل من غير تأويل ، بخلاف ما تقدّم من الأجه فإنّه ظرف أو مصدر. واعلم أنّك إذا نصبت «بادي» على الظرف أو المصدر بما قبل «إلّا» احتجت إلى جواب عن إشكال ، وهو أنّ ما بعد «إلّا» لا يكون معمولا لما قبلها ، إلّا إن كان مستثنى منه نحو : ما قام إلّا زيدا القوم ، أو مستثنى نحو : قام القوم إلّا زيدا ، أو تابعا للمستثنى منه نحو : ما جاءني أحد إلّا زيد أخير من عمرو و (بادِيَ الرَّأْيِ) ليس شيئا من ذلك.
قال مكي : لو قلت في الكلام : ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما ؛ فأوقعت اسمين مفعولين بعد «إلّا» لم يجز ؛ لأنّ الفعل لا يصل ب «إلّا» إلى مفعولين ، إنّما يصل إلى اسم واحد كسائر الحروف ، ألا ترى أنّك لو قلت : مررت بزيد عمرو فأوصلت الفعل إليهما بحرف واحد لم يجز ، ولذلك لو قلت : استوى الماء والخشبة الحائط فتنصب اسمين بواو «مع» لم يجز إلّا أن تأتي في جميع ذلك بواو العطف ، فيجوز وصول الفعل.
والجواب الذي ذكره هو أنّ الظروف يتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها ، وهذا جماع القول في هذه المسألة باختصار.
والرّأي : يجوز أن يكون من رؤية العين أو من الفكرة والتّأمّل.
فصل
اعلم أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ حكى عن قوم نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ شبهات :
الأولى : أنّهم قالوا : إنّه بشر مثلهم ، وأنّ التفاوت الحاصل بين آحاد البشر يمتنع انتهاؤه إلى حيث يصير الواحد منهم واجب الطّاعة لجميع العاملين.
الثانية : كونه ما اتبعه إلّا الأراذل من القوم كالحياكة ، وأصحاب الصنائع الخسيسة ؛