الله» (١) ، وقال عليه الصلاة والسّلام «إذا رأيتم الرّجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان» (٢) ، وقال عليه الصلاة والسّلام «من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضؤوه» (٣) ، وهذه الأحاديث نقلها الزمخشريّ.
قوله (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) قال المفسرون : «عسى» من الله واجب ، لكونه متعاليا عن الشّك والتردد.
وقال أبو مسلم : «عسى» ههنا راجع إلى العباد ، وهو يفيد الرجاء ، فكان المعنى : إنّ الذين يأتون بهذه الطاعات ، إنّما يأتون بها على رجاء الفوز بالاهتداء ، لقوله تعالى : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة : ١٦] والتحقيق فيه : أنّ العبد عند الإتيان بهذه الأعمال ، لا يقطع على الفوز بالثّواب ؛ لأنه يجوز من نفسه أنه قد أخلّ بقيد من القيود المعتبرة في حصول القبول ، وقال الزمخشريّ «المراد منه تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء ، وحسم لأطماعهم من الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها». فبيّن تعالى أنّ الذين آمنوا وضمّوا إلى إيمانهم العمل بالشرائع ، والخشية من الله فهؤلاء صار حصول الاهتداء لهم دائرا بين «لعلّ» و «عسى» ، فما بال هؤلاء المشركين ، يقطعون بأنّهم مهتدون ، ويجزمون بفوزهم بالخير من عند الله تعالى.
قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٢٢)
قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) الآية.
الجمهور على قراءة «سقاية» ، و «عمارة» مصدرين على «فعالة» ، ك : الضّيافة ، والوقاية والتّجارة ، ولم تقلب الياء همزة ، لتحصّنها بتاء التأنيث ، بخلاف «رداءة ،
__________________
(١) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢ / ٢٦) وقال : رواه الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.
(٢) أخرجه الترمذي (٢٦٢٠) وابن ماجه (٨٠٢) وأحمد (٣ / ٧٦) وابن خزيمة (٢ / ٣٧٩) رقم (١٥٠٢) والحاكم (٢ / ٣٣٢) والدارمي (١ / ٢٧٨) وابن حبان (٣١٠ ـ موارد) وأبو نعيم (٨ / ٣٢٧) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥ / ٤٥٩) من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٩٤) وعزاه لسليم الرازي في الترغيب عن أنس مرفوعا.