أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا ، (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فلا تحرموا أنفسكم من سعادة الدّين بهذا الظن الفاسد.
قوله : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ) قرىء (١) «بطارد الذين» بتنوين «طارد».
قال الزمخشري (٢) : على الأصل يعنى أنّ أصل اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال العمل وهو ظاهر قول سيبويه.
قال أبو حيّان : يمكن أن يقال : الأصل الإضافة لا العمل ، لأنّه قد اعتوره شبهان :
أحدهما : الشبه بالمضارع وهو شبه بغير جنسه.
والآخر : شبهه بالأسماء إذا كانت فيه الإضافة ؛ فكان إلحاقة بجنسه أولى.
وقوله : (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) استئناف يفيد التّعليل ، وقوله : «تجهلون» صفة لا بدّ منها إذ الإتيان بهذا الموصوف دون صفته لا يفيد ، وأتى بها فعلا ليدلّ على التّجدّد كلّ وقت.
فصل
قوله : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) كالدّليل على أنّ القوم سألوه لئلّا يشاركوا الفقراء ، فقال صلىاللهعليهوسلم : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) ، وأيضا قولهم (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) كالدّليل على أنّهم طلبوا منه طردهم ؛ فكأنّهم يقولون لو اتّبعك الأشراف لوافقناهم.
ثمّ ذكر ما يوجب الامتناع من طردهم ، وهو أنّهم ملاقو ربّهم ، وهذا الكلام يحتمل وجوها :
منها : أنّهم قالوا إنّهم منافقون فيما أظهروا فلا تغترّ بهم ؛ فأجاب بأنّ هذا الأمر ينكشف عند لقاء ربّهم في الآخرة.
ومنها : أنّه جعله علّة في الامتناع من الطّرد ، وأراد أنهم ملاقو ربّهم ما وعدهم ، فإن طردتهم استخصموني في الآخرة.
ومنها : أنّه نبّه بذلك على أنّا نجتمع في الآخرة ؛ فأعاقب على طردهم فلا أجد من ينصرني.
ثم بيّن أنّهم يبنون أمرهم على الجهل بالعواقب والاغترار بالظّواهر فقال : (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ).
ثم قال : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) [هود : ٣٠] من يمنعني من عذاب الله (إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتّعظون.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٩٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٢١٨ ، والدر المصون ٤ / ٩٥.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٩٠.