الزّاي وهو مطرد ، ويقال : «زريت عليه» إذا عبته ، و «أزريت به» أي : قصّرت به. وعائد الموصول محذوف ، أي تزدريهم أعينكم ، أي : تحتقرهم وتقصّر بهم ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٢٩٦٤ ـ ترى الرّجل النّحيف فتزدريه |
|
وفي أثوابه أسد هصور (١) |
وقال الشاعر أيضا : [الوافر]
٢٩٦٥ ـ يباعده الصّديق وتزدريه |
|
حليلته وينهره الصّغير (٢) |
واللّام في «للّذين» للتّعليل ، أي : لأجل الذين ، ولا يجوز أن تكون التي للتّبليغ إذ لو كانت لكان القيا س «لن يؤتيكم» بالخطاب.
قوله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
قرأ ابن عبّاس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ «جدلنا» كقوله : (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف : ٥٤].
ونقل أبو البقاء أنه قرىء «جدلتنا فأكثرت جدلنا» بغير ألف فيهما ، وقال : «هو بمعنى غلبتنا بالجدل».
وقوله : (بِما تَعِدُنا) يجوز أن يكون «ما» بمعنى «الذي» ، فالعائد محذوف ، أي : تعدناه.
ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : بوعدك إيّانا.
وقوله : (إِنْ كُنْتَ) جوابه محذوف أو متقدّم وهو «فأتنا».
فصل
دلّت هذه الآية على أنّه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان قد أكثر في الجدال معهم وذلك الجدال كان في بيان التّوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، وهذا يدلّ على أنّ المجادلة في تقرير الدّلائل وفي إزالة الشّبهات حرفة الأنبياء ، وأنّ التقليد والجهل والإصرار حرفة الكفّار ، ودلّت على أنّهم استعجلوا العذاب الذي كان يعدهم به ، فقالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ثمّ إنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أجابهم بقوله : (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) [هود : ٣٣] أي: أنّ إنزال العذاب ليس إليّ ، وإنما هو خلق الله فيفعله إن شاء ، وإذا أراد إنزال العذاب فإنّ أحدا لا يعجزه ، أي : لا يمنعه.
__________________
(١) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢١٩ واللسان (نحف) والدر المصون ٤ / ٩٥.
ويروى عجزه :
وتحت ثيابه رجل مرير
(٢) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢١٩ والقرطبي ٩ / ٢٠ والدر المصون ٤ / ٩٥.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٦٦ ، البحر المحيط ٥ / ٢١٩ ، الدر المصون ٤ / ٩٦.