وقرىء (١) في الشاذّ «أجرامي» بفتحها ، حكاه النّحّاس ، وخرّجه على أنّه جمع «جرم» كقفل وأقفال ، واعلم أنّ قوله (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) لا يدلّ على أنّه كان شاكّا ، إلّا أنّه قول يقال على وجه الإنكار عند اليأس من القبول.
قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤)
قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ) الجمهور على «أوحي» مبنيا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ) أي : أوحي إليه عدم إيمان بعض القوم.
وقرأ أبو (٢) البرهسم «أوحى» مبنيا للفاعل وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ ، «إنّه» بكسر الهمزة وفيها وجهان :
أحدهما : ـ وهو أصل للبصريين ـ أنّه على إضمار القول.
والثاني : ـ وهو أصل للكوفيين ـ أنّه على إجراء الإيحاء مجرى القول.
قوله (فَلا تَبْتَئِسْ) هو تفتعل من البؤس ، ومعناه الحزن في استكانة ، ويقال : ابتأس فلان ، أي : بلغه ما يكرهه ؛ قال : [البسيط]
٢٩٦٨ ـ ما يقسم الله أقبل غير مبتئس |
|
منه وأقعد كريما ناعم البال (٣) |
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٢٠ ، والدر المصون ٤ / ٩٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٦٨ والبحر المحيط ٥ / ٢٢١ والدر المصون ٤ / ٨٩٧
(٣) البيت لحسان بن ثابت ينظر : ديوانه (١٤٧) والبحر ٥ / ٢٢١ واللسان «بأس» والتفسير الكبير للرازي ١٧ / ٢٢١ معجم مقاييس اللغة (بأس) وشواهد الكشاف ٢ / ٤٨٩ والتهذيب ١٣ / ١٠٨ والكشاف ٢ / ١٩٣ والدر المصون ٤ / ٩٧.