وقال آخر : [البسيط]
٢٩٦٩ ـ وكم من خليل أو حميم رزئته |
|
فلم نبتئس والرّزء فيه جليل (١) |
فصل
دلّت هذه الآية على صحة القول بالقضاء والقدر ؛ لأنّه تعالى أخبر بأنهم لا يؤمنون بعد ذلك ، فلو حصل إيمانهم ؛ لكان إمّا مع بقاء هذا الخبر صدقا ، ومع بقاء هذا العلم علما ، أو مع انقلاب هذا الخبر كذبا ومع انقلاب هذا العلم جهلا.
والأول باطل ؛ لأنّ وجود الإيمان مع أن يكون الإخبار عن عدم الإيمان صدقا ، ومع كون العلم بعد الإيمان حاصلا حال وجود الإيمان جمع بين النّقيضين.
والثاني أيضا باطل ؛ لأنّ انقلاب علم الله ـ تعالى ـ جهلا وخبره كذبا محال ، ولما كان صدور الإيمان منهم لا بدّ وأن يكون على أحد هذين القسمين ، وثبت أنّ كلّ واحد منهما محال كان صدور الإيمان منهم محالا ، مع أنّهم كانوا مأمورين به ، وأيضا : فالقوم كانوا مأمورين بالإيمان ، ومن الإيمان تصديق الله تعالى ـ في كلّ ما أخبر عنه ، وقد أخبر أنّه (... لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) فينبغي أن يقال : إنّهم كانوا مأمورين بأن يؤمنوا بأنّهم لا يؤمنون ألبتة ، وذلك تكليف بالجمع بين النّقيضين.
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا).
«بأعيننا» حال من فاعل «اصنع» أي : محفوظا بأعيننا ، وهو مجاز عن كلاء الله له بالحفظ.
وقيل : المراد بهم الملائكة تشبيها لهم بعيون النّاس ، أي : الذين يتفقّدون الأخبار ، والجمع حينئذ حقيقة. وقرأ طلحة بن (٢) مصرف «بأعينّا» مدغمة.
فصل
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) الظّاهر أنه أمر إيجاب ؛ لأنّه لا سبيل إلى صون روح نفسه ، وأرواح غيره من الهلاك إلا بهذا الطريق ، وصون النّفس من الهلاك واجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ويحتمل أن يكون أمر إباحة ، وهو بمنزلة أن يتخذ الإنسان لنفسه دارا يسكنها ، أو يكون ذلك تعليما له ولمن بعده كيفية عمل السفينة ، ولا يكون ذلك من باب ما لا يتمّ الواجب إلّا به ، فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلّص موسى وقومه من الطّوفان من غير سفينة ، وكان ذلك معجزة له.
وأما قوله : «بأعيننا» فلا يمكن إجراؤه على ظاهره لوجوه :
__________________
(١) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢٢١ والقرطبي ٩ / ٢١ واللسان (رزأ) والدر المصون ٤ / ٩٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٦٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٢١ والدر المصون ٤ / ٩٧.