وقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة ، وبنيه الثلاث ونساءهم (١).
فجميعهم ثمانية وسبعون ، نصفهم رجال ، ونصف نساء.
وعن ابن عباس : كان في سفينة نوح عليهالسلام ثمانون رجلا ، أحدهم جرهم ، يقال : إنّ في ناحية «الموصل» قرية ، يقال لها : قرية الثّمانين ، سمّيت بذلك ؛ لأنّهم لما خرجوا من السّفينة بنوها ، فسمّيت بهم (٢).
قال مقاتل : حمل نوح معه جسد آدم ، فجعله معترضا بين الرّجال والنّساء (٣).
وقال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلّا ما يلد ويبيض فأما ما يتولّد من الطين ؛ فالحشرات ، والبقّ ، والبعوض ؛ فلم يحمل منه (٤). ثم قال تعالى (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) يعني : حكم الله عليه بالهلاك ، وهو ابنه ، وزوجته ، وكانا كافرين ، فأما ابنه فهو يام ، وتسميه أهل الكتاب : كنعان ، فهو الذي انعزل عنه ، وأما امرأة نوح ، فهي أمّ أولاده كلهم : حام ، وسام ، ويافث ، وهو أدرك ؛ انعزل ، وغرق ، وعابر ، وقد مات قبل الطوفان ، فقيل مع من غرق وكانت خمس سبق عليها القول بكفرها ، وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة فيحتمل أنها ماتت بعد ذلك.
فإن قيل : الإنسان أشرف من سائر الحيوانات ، فما الفائدة من ذكر الحيوانات؟.
فالجواب : أنّ الإنسان عاقل وهو لعقله كالمضطر إلى دفع أسباب الهلاك عن نفسه ، فلا حاجة إلى المبالغة في التّرغيب فيه ، بخلاف السّعي في تخليص سائر الحيوانات ؛ فلهذا وقع الابتداء به.
فإن قيل : الذين دخلوا السّفينة كانوا جماعة فلم لم يقل قليلون كما في قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء : ٥٤]؟ فالجواب : كلا اللفظين جائز ، والتقدير ـ ههنا ـ : وما آمن معه إلا نفر قليل.
فصل
احتجوا بقوله (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) في إثبات القضاء السّابق والقدر الواجب ، لأنّ قوله (سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) يدلّ على أنّ من سبق عليه القول ومن آمن لا يغيّر عن حاله ، فهو كقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه» (٥).
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٠١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٨٤).
(٤) انظر المصدر السابق.
(٥) أخرجه البزار (٢١٥٠ ـ كشف) والطبراني في «الصغير» (٢ / ٥) والبيهقي في «الاعتقاد» ص (١٣٩) من حديث أبي هريرة.