السّكون من أخفّ الحركات ، ولا يقال : فلم وافق ابن كثير غير حفص في ثاني لقمان ، ووافق حفصا في الأخيرة في رواية البزي عنه ، وسكّن الأول؟ لأنّ ذلك جمع بين اللغات ، والمفرّق آت بمحال.
وأصل هذه اللفظة بثلاث ياءات : الأولى للتّصغير ، والثانية لام الكلمة ، وهل هي ياء بطريق الأصالة أو مبدلة من واو؟ خلاف تقدّم تحقيقه أول الكتاب في لام «ابن» ما هي؟ والثالثة ياء المتكلّم مضاف إليها ، وهي التي طرأ عليها القلب ألفا ثم الحذف ، أو الحذف وهي ياء بحالها.
فصل
لمّا حكى عن نوح أنّه دعا ابنه إلى ركوب السّفينة حكى عن ابنه أنّه قال : «سآوي إلى جبل» سأصير وألتجىء إلى جبل (يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) يمنعني من الغرق ، وهذا يدل على أنّ الابن كان مصرّا على الكفر ، فعند هذا قال نوح : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : من عذاب الله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ). وههنا سؤال :
وهو أن الذي رحمهالله معصوم ، فكيف يحسن استثناء المعصوم من العاصم؟.
والجواب من وجوه :
الأول : أنّه استثناء منقطع ، وذلك أن تجعل «عاصما» على حقيقته ، و (مَنْ رَحِمَ) هو المعصوم ، وفي «رحم» ضمير مرفوع يعود على الله تعالى ، ومفعوله ضمير الموصول وهو «من» حذف لاستكمال الشروط ، والتقدير : لا عاصم اليوم ألبتة من أمر الله ، لكن منرحمهالله فهو معصوم.
الثاني : أن يكون المراد ب (مَنْ رَحِمَ) هو الباري تعالى كأنه قيل : لا عاصم اليوم إلّا الرّاحم.
الثالث : أنّ عاصما بمعنى معصوم ، وفاعل قد يجيء بمعنى مفعول نحو : (ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] أي : مدفوق ؛ وأنشدوا : [المتقارب]
٢٩٧٥ ـ بطيء القيام رخيم الكلا |
|
م أمسى فؤادي به فاتنا (١) |
أي : مفتونا ، و «من» مراد بها المعصوم ، والتقدير : لا معصوم اليوم من أمر الله إلّا منرحمهالله فإنّه يعصم.
الرابع : أن يكون «عاصم» هنا بمعنى النّسب ، أي : ذا عصمة نحو : لابن وتامر ، وذو العصمة ينطلق على العاصم وعلى المعصوم ، والمراد به هنا المعصوم.
__________________
(١) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢٢٧ واللسان (فتن) وروح المعاني ١٢ / ٩٠ والقرطبي ٩ / ٢٨ والدر المصون ٤ / ١٠٢.