قوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها) يجوز في هذه الجملة أن تكون حالا من الكاف في «إليك» وأن تكون حالا من المفعول في «نوحيها» وأن تكون خبرا بعد خبر.
والمعنى : ما كنت تعلمها أنت يا محمد ولا قومك ، أي : إنّك ما كنت تعرف هذه القصة وقومك أيضا ما كانوا يعرفونها ، كقول الإنسان لآخر : لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك.
فإن قيل : أليس قد كانت قصة الطوفان مشهورة عند أهل العلم؟.
فالجواب : أنها كانت مشهورة بحسب الإجمال ، أمّا التّفاصيل المذكورة فما كانت معلومة.
ثم قال تعالى : «فاصبر» يا محمد أنت وقومك على أولئك الكفار (إِنَّ الْعاقِبَةَ) آخر الأمر والنّصر والظّفر «للمتّقين».
فإن قيل : إنّه ذكر هذه القصة في سورة يونس ثم أعادها ، فما فائدة هذا التكرار؟.
فالجواب : أنّ القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه ، ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب ، فذكر ـ تعالى ـ قصة نوح وبيّن أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أنّ العذاب ما كان يظهر ثمّ في العاقبة ظهر ، فكذا في واقعة محمد ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ـ ، وفي هذه السورة ذكر القصة لبيان أنّ إقدام الكفّار على الإيذاء ، والإيحاش كان حاصلا في زمن نوح ، فلمّا صبر نال الفتح والظفر ، فكن ، يا محمّد ، كذلك لتنال المقصود ، فلمّا كان الانتفاع بالقصة في كلّ سورة من وجه لم يكن تكريرها خاليا عن الفائدة.
قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ)(٥٨)
قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) القصّة. معطوفان على قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى