شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي : يحفظ أعمال العباد حتى يجازيهم عليها. وقيل : يحفظني من شركم ، ومكركم. وقيل : حفيظ من الهلاك إذا شاء ، ويهلك إذا شاء.
قوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا ، وهو ما نزل بهم من الريح العقيم ، عذبهم الله بها سبع ليال ، وثمانية أيام ، تدخل في مناخرهم وتخرج من أدبارهم وتصرعهم على الأرض على وجوههم حتى صاروا (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧].
(نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وكانوا أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) بنعمة منا. وقيل : المراد بالرحمة : ما هداهم إليه من الإيمان. وقيل : المراد أنه لا ينجو أحد ، وإن اجتهد في الإيمان والعمل الصالح إلا برحمة من الله تعالى.
ثم قال : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) فالمراد بالنجاة الأولى : هي النجاة من عذاب الدنيا ، والنجاة الثانية من عذاب القيامة.
والمراد بقوله : (وَنَجَّيْناهُمْ) أي : حكمنا بأنهم لا يستحقون ذلك العذاب الغليظ.
قوله تعالى : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)(٦٠)
ولما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا.
قوله : «جحدوا» جملة مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بذلك ، وليست حالا مما قبلها ، و «جحد» يتعدى بنفسه ، ولكنه ضمن معنى «كفر» ، فيعدى بحرفه ، كما ضمن «كفر» معنى «جحد» فتعدى بنفسه في قوله بعد ذلك : (كَفَرُوا رَبَّهُمْ).
وقيل : إن «كفر» ك «شكر» في تعديه بنفسه تارة وبحرف الجر أخرى.
واعلم أنه تعالى وصفهم بثلاث صفات :
الأولى : قوله : (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : جحدوا دلائل المعجزات على الصدق ، أو جحدوا دلائل المحدثات على وجود الصانع الحكيم.
والثانية : قوله : (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) ومعناه : أنهم إذا عصوا رسولا واحدا ؛ فقد عصوا جميع الرسل لقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].
والثالثة : قوله : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) والمعنى : أن السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٣٣].
وتقدم اشتقاق (الْجَبَّارُ) [المائدة : ٢٢]. والعنيد والعنود والمعاند : المنازع المعارض قاله أبو عبيد وهو الطّاغي المتجاوز في الظّلم من قولهم : «عند يعند» إذا حاد