العلمية والتّأنيث ، ذهبوا به مذهب القبيلة ، والأعمش ويحيى (١) بن وثاب صرفاه ، ذهبا به مذهب الحي ، وسيأتي بيان الخلاف إن شاء الله تعالى.
قوله : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يجوز أن تكون «من» لابتداء الغاية ، أي ابتداء إنشائكم منها إمّا إنشاء أصلكم ، وهو آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قال ابن الخطيب (٢) : «وفيه وجه آخر وهو أقرب منه ؛ وذلك لأنّ الإنسان مخلوق من المنيّ ومن دم الطمث ، والمنيّ إنما تولد من الدّم ، فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدّم إنما تولد من الأغذية ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانات حالها كحال الإنسان ؛ فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات أنما تولد من الأرض ؛ فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض».
أو لأن كل واحد خلق من تربته ؛ أو لأن غذاءهم وسبب حياتهم من الأرض.
وقيل : «من» بمعنى «في» ولا حاجة إليه.
قوله : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي جعلكم عمّارها وسكانها. قال الضحاك : «أطال أعماركم فيها» (٣). وقال مجاهد : أعمركم من العمرى (٤). أي جعلها لكم ما عشتم. وقال قتادة ـ رضي الله عنه ـ : «اسكنكم فيها» (٥). قال ابن العربي : «قال بعض علمائنا : الاستعمار: طلب العمارة ، والطلب المعلق من الله ـ تعالى ـ على الوجوب ، قال القاضي أبو بكر : تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان منها : استفعل بمعنى : طلب الفعل كقوله : استحملته أي : طلبت منه حملانا ، وبمعنى اعتقد ؛ كقوله : استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلا ، أو وجدته سهلا ، واستعظمته أي : وجدته عظيما ، وبمعنى أصبت كقوله : استجدته أي : أصبته جيدا ، وبمعنى «فعل» ؛ كقوله : قرّ في المكان ، واستقر ، قالوا وقوله : [(يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأنعام : ٥] و (يَسْتَسْخِرُونَ) [الصافات : ١٤] منه ، فقوله تعالى : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي : خلقكم لعمارتها ، لا على معنى : استجدته واستسهلته ، أي : أصبته جيدا ، وسهلا ، وهذا يستحيل](٦) في حقّ الخالق ، فيرجع إلى أنّه خلق لأنه الفائدة ؛ وقد يعبّر عن الشيء بفائدته مجازا ، ولا يصحّ أن يقال إنه طلب من الله لعمارتها ، فإن هذا لا يجوز في حقه» ويصحّ أن يقال : استدعى عمارتها ، وفي الآية دليل على الإسكان والعمرى.
ثم قال : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) وقد تقدّم تفسيره. (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) أي:
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٣ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٩ والدر المصون ٤ / ١٠٩.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ١٤ ـ ١٥.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٠).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦١١) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٠).
(٦) سقط في أ.