وفرّق بعضهم بينهما فقال : الثلاثي فيما يرى بالبصر ، والرباعي فيما لا يرى من المعاني ، وجعل البيت من ذلك ، فإنّها أنكرت مودّته وهي من المعاني التي لا ترى ، ونكرت شيبته وصلعه ، وهما يبصران ؛ ومنه قول أبي ذؤيب : [الكامل]
٢٩٨٨ ـ فنكرته فنفرت وامترست به |
|
هوجاء هادية وهاد جرشع (١) |
والإيجاس : حديث النّفس ، وأصله من الدّخول كأنّ الخوف داخله.
وقال الأخفش : «خامر قلبه». وقال الفرّاء : «استشعر وأحسّ».
والوجس : ما يعتري النفس أوائل الفزع ، ووجس في نفسه كذا أي : خطر بها ، يجس وجسا ووجوسا ووجيسا ، ويوجس ويجس بمعنى يسمع ؛ وأنشدوا على ذلك قوله : [الطويل]
٢٩٨٩ ـ وصادقتا سمع التّوجّس للسّرى |
|
للمح خفيّ أو لصوت مندّد (٢) |
و «خيفة» مفعول به أي : أحس خيفة أو أضمر خيفة.
فصل
اعلم أنّ الأضياف إنّما امتنعوا عن الطّعام ؛ لأنهم ملائكة ، والملائكة لا يأكلون ، ولا يشربون ، وإنّما أتوه في صورة الأضياف ؛ ليكونوا على صفة يحبها ؛ لأنه كان يحب الضيافة ، وأمّا إبراهيم ، فإما أن يقال : إنه ما كان يعلم أنهم ملائكة بل كان يعتقد أنهم من البشر ، أو يقال : إنّه كان عالما بأنهم ملائكة ، فعلى الأول فسبب خوفه أمران :
أحدهما : أنّه كان ينزل في طرف من الأرض بعيدا عن النّاس ، فلما امتنعوا عن الأكل ، خاف أن يريدوا به مكروها.
والثاني : أنّ من لا يعرفه إذا حضر ، وقدّم إليه طعاما ، فإن أكل حصل الأمن ، وإن لم يأكل ، حصل الخوف.
وإن كان عارفا بأنّهم ملائكة ، فسبب خوفه أمران :
أحدهما : أنه خاف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله تعالى عليه.
والثاني : أنه خاف أن يكون نزولهم لتعذيب قومه.
والأول أقرب ؛ لأنّه سارع إلى إحضار الطعام ، ولو عرف كونهم من الملائكة لما فعل ذلك ، ولما استدلّ بترك الأكل على حصول الشّرّ ، وأيضا : فإنّه رآهم في صورة
__________________
(١) ينظر البيت في ديوان الهذليين ١ / ٨ وشرح ديوان الهذليين ١ / ٢٢ واللسان (جرشع) والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ والدر المصون ٤ / ١١٣.
(٢) البيت لطرفة بن العبد ينظر : ديوانه (٢٦) والتهذيب ١٤ / ٧٢ واللسان (ندد) والبحر المحيط ٥ / ٢٣٧ والدر المصون ٤ / ١١٣.