قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٢٤)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) الآية.
والمقصود من هذه الآية : أن تكون جوابا عن شبهة أخرى ، ذكروها في أن البراءة من الكافر غير ممكنة ، فإنّ المسلم قد يكون أبوه كافرا أو ابنه والكافر قد يكون أبوه أو أخوه مسلما والمقاطعة بين الرّجل وأبيه وابنه وأخيه كالمتعذر ، فأزال الله تعالى هذه الشبهة بهذه الآية. ونقل المفسّرون عن ابن عبّاس «أنّه تعالى لمّا أمر المسلمين بالهجرة قبل فتح مكّة ، فمن لم يهاجر لم يقبل الله إيمانه ، حتى يجانب الآباء والأقرباء إن كانوا كفارا».
قال ابن الخطيب «وهذا مشكل ؛ لأنّ الصحيح أنّ هذه السورة إنّما نزلت بعد فتح مكة ، فكيف يمكن حمل هذه الآية على ما ذكروه؟ وإنّما الأقرب أنّه تعالى أمر المؤمنين بالتبرّي عن المشركين بسبب الكفر ، لقوله : (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، والاستحباب : طلب المحبة ، يقال استحب له ، بمعنى : أحبه ، كأنه طلب محبته».
ولمّا نهى الله عن مخالطتهم ، وكان النّهي يحتمل أن يكون نهي تنزيه وأن يكون نهي تحريم ، ذكر ما يزيل الشبهة فقال : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). قال ابن عباس «يريد: مشركا مثلهم ، لأنه رضي بكفرهم ، والرّضى بالكفر كفر ، كما أنّ الرضا بالفسق فسق»(١).
قال القاضي : «هذا النّهي لا يمنع أن يتبرأ المرء من أبيه في الدّنيا ، كما لا يمنع من قضاء دين الكافر ، ومن استعمله في الأعمال».
قوله : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) «آباؤكم» وما عطف عليه اسم «كان» ، و «أحب» خبرها ، فهو منصوب ، وكان الحجاج بن يوسف يقرها بالرفع ، ولحّنه يحيى بن يعمر فنفاه.
قال أبو حيّان «إنّما لحّنه باعتبار مخالفة القراء النّقلة ، وإلّا فهي جائزة في العربية ، يضمر في «كان» اسما ، وهو ضمير الشأن ، ويرفع ما بعدها على المبتدأو الخبر ، وحينئذ تكون الجملة خبرا عن «كان».
__________________
(١) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١١) عن الحسن.