اللّباب في علوم الكتاب [ ج ١٠ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

اليوم زمان يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذّب ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه.

وزعم قوم : أنه جرّ على الجوار ؛ لأنّه في المعنى صفة للعذاب ، والأصل : عذاب يوم محيطا وقال آخرون : التقدير : عذاب يوم محيط عذابه. قال أبو البقاء : وهو بعيد ؛ لأنّ محيطا قد جرى على غير من هو له ، فيجب إبراز فاعله مضافا إلى ضمير الموصوف.

واختلفوا في المراد بهذا العذاب : فقيل : عذاب يوم القيامة. وقيل : عذاب الاستئصال في الدنيا ؛ كما هو في حق سائر الأمم.

والأقرب دخول كل عذاب فيه ، وإحاطة العذاب بهم كإحاطة الدّائرة بما فيها.

قوله : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل.

فإن قيل : وقع التّكرار ههنا من ثلاثة أوجه ، فقال : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) ثم قال (أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ ،) وهو عين الأول ، ثم قال : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ)، وهو عين الأوّل ، فما فائدة التّكرار؟.

فالجواب من وجوه :

الأول : أن القوم كانوا مصرّين على ذلك العمل ، فمنع منه بالمبالغة في التأكيد ، والتكرار يفيد التّأكيد وشدّة العناية والاهتمام.

الثاني : قوله : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) نهي عن التنقيص ، وقوله : (أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أمر بإيفاء العدل ، والنّهي عن الشيء أمر بضده ، وليس لقائل أن يقول النّهي ضد الأمر ، فكان التكرير لازما من هذا الوجه ، لأنّا نقول : الجواب من وجهين :

أحدهما : أنّه تعالى جمع بين الأمر بالشّيء ، وبين النهي عن ضده للمبالغة ، كما تقول : صل قرابتك ، ولا تقطعهم ؛ فدلّ هذا الجمع على غاية التّأكيد.

وثانيهما : لا نسلم أنّ الأمر كما ذكرتم ؛ لأنّه يجوز أن ينهى عن التنقيص وينهى أيضا عن أصل المعاملة ، فهو تعالى منع من التنقيص وأمر بإيفاء الحقّ ، ليدلّ ذلك على أنّه تعالى لم يمنع من المعاملات ، ولم ينه عن المبايعات ، وإنّما منع من التّطفيف ، ومنع الحقوق ، فكانت المبايعات محرمة بالكلّيّة ، فلأجل هذا منع في الآية الأولى من التّنقيص ، وفي الأخرى أمر بالإيفاء ، وأما قوله ثالثا : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) فليس بتكرير لأنّه تعالى خصّ المنع في الآية الأولى بالنّقصان في المكيال والميزان. ثم إنّه تعالى عمّ الحكم في جميع الأشياء ، فدل ذلك على أنها غير مكررة ، بل في كل واحدة فائدة زائدة.

الوجه الثالث : أنه تعالى قال في الآية الأولى : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) وفي