قال أبو حيّان (١) : وتسمية هذا جوابا ل «أرأيتم» ليس بالمصطلح ، بل هذه الجملة التي قدّرها في موضع المفعول الثّاني ل «أرأيتم» لأنّ «أرأيتم» إذا ضمّنت معنى أخبرني تعدّت إلى مفعولين ، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية ينعقد منها ، ومن المفعول الأوّل في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب : «أرأيتك زيدا ما صنع» وقال الحوفيّ : «وجواب الشّرط محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره : أأعدل عمّا أنا عليه».
وقال ابن عطيّة (٢) : «وجواب الشّرط الذي في قوله : (إِنْ كُنْتُ) محذوف تقديره أضلّ كما ضللتم ، أو أترك تبليغ الرسالة ، ونحو هذا ممّا يليق بهذه المحاجّة».
قال أبو حيان : وليس قوله : «أضلّ» جوابا للشّرط ؛ لأنّه إن كان مثبتا فلا يمكن أن يكون جوابا لأنه لا يترتب على الشّرط ، وإن كان استفهاما حذف منه الهمزة فهو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيتم» وجواب الشّرط محذوف يدلّ عليه الجملة السّابقة مع متعلّقها.
فصل
المعنى (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) بصيرة وبيان من ربّي (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) حلالا.
قيل : كان شعيب كثير المال الحلال.
وقيل : الرزق الحسن : العلم والمعرفة أي : لما أتاني جميع هذه السّعادات ، فهل ينبغي لي مع هذه النعم أن أخون في وحيه ، أو أن أخالف أمره ونهيه ، وإذا كان العزّ من الله ، والإذلال من الله ، وذلك الرزق إنّما حصل من عند الله فأنا لا أبالي بمخالفتكم ، ولا أفرح بموافقتكم ، وإنّما أكون على تقرير بدين الله وإيضاح شرائعه.
قوله : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ) قال الزمخشريّ : خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده وأنت مولّ عنه ، وخالفني عنه إذا ولّى عنه وأنت قاصده ، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول : «خالفني إلى الماء» ، يريد أنه ذاهب إليه واردا ، وأنا ذاهب عنه صادرا ، ومنه قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبدّ بها دونكم.
وهذا الذي ذكره الزمخشريّ معنى حسن لطيف ، ولم يتعرّض لإعراب مفرداته ؛ لأن بفهم المعنى يفهم الإعراب.
فيجوز أن يكون قوله : (أَنْ أُخالِفَكُمْ) في موضع مفعول ب «أريد» ، أي : وما أريد مخالفتكم ، ويكون «فاعل» بمعنى «فعل» نحو : جاوزت الشّيء وجزته ، أي : وما أريد أن أخالفكم ، أي : أكون خلفا منكم.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٥٤.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٠١.