وقوله : (إِلى ما أَنْهاكُمْ) يتعلّق ب «أخالفكم» ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال ، أي : مائلا إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قدّر بعضهم محذوفا يتعلّق به هذا الجارّ تقديره : وأميل إلى أن أخالفكم ، ويجوز أن يكون (أَنْ أُخالِفَكُمْ) مفعولا من أجله ، وتتعلق «إلى» بقوله «أريد» بمعنى : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه.
ولذلك قال الزجاج : وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه.
ويجوز أن يراد بأن أخالفكم معناه من المخالفة ، وتكون في موضع المفعول به ب «أريد» ، ويقدّر مائلا إلى.
والمعنى : وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه : (إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
قوله : (مَا اسْتَطَعْتُ) يجوز في «ما» هذه وجوه :
أحدها : أن تكون مصدرية ظرفية أي : مدة استطاعتي.
والثاني : أن تكون «ما» موصولة بمعنى «الذي» بدلا من «الإصلاح» والتقدير : إن أريد إلّا المقدار الذي أستطيعه من الصّلاح.
الثالث : أن يكون على حذف مضاف ، أي : إلّا الإصلاح إصلاح ما استطعت ، وهو أيضا بدل.
الرابع : أنّها مفعول بها بالمصدر المعرّف ، أي : إنّ أريد إلّا أن أصلح ما استطعت إصلاحه ؛ كقوله : [المتقارب]
٣٠٠٦ ـ ضعيف النّكاية أعداءه |
|
يخال الفرار يراخي الأجل (١) |
ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشريّ ، إلّا أنّ إعمال المصدر المعرّف قليل عند البصريين ، ممنوع إعماله في المفعول به عند الكوفيين ، وتقدّم الجارّان في «عليه» و «إليه» للاختصاص أي : عليه لا على غيره ، وإليه لا إلى غيره.
فصل
اعلم أنّ القوم كانوا قد أقرّوا إليه بأنّه حليم رشيد ؛ لأنّه كان مشهورا بهذه الصفة ، فكأنه عليه الصلاة والسّلام قال لهم : إنّكم تعرفون من حالي أني لا أسعى إلّا في الإصلاح وإزالة الفساد ، فلمّا أمرتكم بالتّوحيد وترك إيذاء النّاس ؛ فاعلموا أنّه دين حق وأنه ليس غرضي منه إيقاع الخصومة ، وإثارة الفتنة ، فأنتم تعرفون أني أبغض ذلك الطريق ، ولا أسعى إلّا إلى ما يوجب الصلاح بقدر جهدي وطاقتي ، وذلك هو الإبلاغ
__________________
(١) ينظر البيت في الكتاب ١ / ١٩٩ وأوضح المسالك ٢ / ٤٢٣ وشرح المفصل لابن يعيش ٥ / ٥٩ والتصريح ٢ / ٦٣ والمنصف ٣ / ٧١ والهمع ٢ / ٩٣ والدرر ٢ / ٥٢ والأشموني ٢ / ٢٨٤ والخزانة ٨ / ١٢٧ وروح المعاني ١٢ / ١٢٠ والبحر ٥ / ٢٥٥ والمقرب لابن عصفور ١٤٤ وشذور الذهب ٣٨٤ والدر المصون ٤ / ١٢٣.