قال الواحديّ : لفظ «النار» مؤنث ، فكان ينبغي أن يقال : وبئست الورد المورود ، إلّا أنّ لفظ «الورد» مذكر ؛ فكان التّذكير والتّأنيث جائزين ، كما تقول : نعم المنزل دارك ، ونعمت المنزل دارك ، فمن ذكّر عنى المنزل ومن أنّث عنى الدّار.
فصل
والمعنى : أدخلهم النّار وبئس المدخل المدخول ؛ وذلك لأنّ الورد إنّما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد ، والنّار ضدّه.
ثم قال : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : أنّ اللّعن من الله ، والملائكة ، والأنبياء ملتصق بهم في الدّنيا والآخرة لا يزول عنهم ، كقوله : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) [القصص : ٤٢].
ثم قال : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) والكلام فيه كالذي قبله. وقوله (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) عطف على موضع (فِي هذِهِ) والمعنى : أنّهم ألحقوا لعنة في الدّنيا وفي الآخرة ، ويكون الوقف على هذا تامّا ، ويبتدأ بقوله «بئس».
وزعم جماعة أنّ التّقسيم : هو أنّ لهم في الدّنيا لعنة ، ويوم القيامة بئس ما يرفدون به ، فهي لعنة واحدة أولا ، وقبح إرفاد آخرا. وهذا لا يصحّ ؛ لأنه يؤدّي إلى إعمال «بئس» فيما تقدّم عليها ، وذلك لا يجوز لعدم تصرّفها ؛ أمّا لو تأخّر لجاز ؛ كقوله : [الكامل]
٣٠١٤ ـ ولنعم حشو الدّرع أنت إذا |
|
دعيت نزال ولجّ في الذّعر (١) |
وأصل الرّفد كما قال الليث : العطاء والمعونة ، ومنه رفادة قريش ، رفدته أرفده رفدا بكسر الرّاء وفتحها : أعطيته وأعنته. وقيل : بالفتح مصدر ، وبالكسر اسم ، كأنّه نحو : الرّعي والذّبح. ويقال : رفدت الحائط ، أي : دعمته ، وهو من معنى الإعانة.
قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(١٠٢)
قوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ) الآية.
«ذلك» إشارة إلى الغائب ، والمراد منه ههنا الإشارة إلى القصص المتقدمة ، وهي
__________________
(١) البيت لزهير بن أبي سلمى. ينظر : ديوانه (٥٤) والكتاب ٣ / ٢٧١ وجمل الزجاجي (٢٧٣) والإنصاف ٢ / ٥٣٥ والمقتضب ٣ / ٣٧٠ وشرح ديوان الحماسة ١ / ٦٢ وشرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٢٦ ومجاز القرآن ٢ / ٢٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٩ والخزانة ٦ / ٣١٦ وروح المعاني ١٢ / ١٣٥ والتهذيب ١٣ / ١٧ والدر المصون ٤ / ١٢٨. وينسب لأوس بن حجر في ديوانه ص ١٣٩.