معلوم ، ولأنّ قوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) يدلّ عليه». وكذا قال ابن عطية.
وقوله : (وَسَعِيدٌ) خبره محذوف : أي : ومنهم سعيد ، كقوله : (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ).
فصل
هذه الآية توهم المناقضة لقوله (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) ولقوله (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦] ، وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
والجواب : قال بعضهم : إنّه حيث ورد المنع من الكلام ، فهو محمول على ذكر الأعذار الكاذبة الباطلة ، وحيث ورد الإذن في الكلام ، فهو محمول على الجوابات الصّحيحة ؛ قال تعالى: (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨]. وقيل : إنّ ذلك اليوم يوم طويل ، وله مواقف ، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم ، وفي بعضها يختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم.
وقيل : ورد المنع عن الكلام مطلقا ، وورد مقيدا بالإذن فيحمل المطلق على المقيّد.
قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ). قال الزمخشريّ (١) : الضمير في قوله : «منهم» لأهل الموقف ولم يذكروا ؛ لأنّه مفهوم ، ولأنّ قوله (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يدلّ عليه ؛ ولأنه مذكور في قوله : (مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ).
واستدلّ القاضي بهذه الآية على فساد القول بأنّ أهل الأعراف لا في الجنة ولا في النّار.
وجوابه : أنّ الأطفال والمجانين أيضا خارجون عن هذا التّقسيم ؛ لأنّهم لا يحاسبون ، فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إنّ أصحاب الأعراف خارجون عنه أيضا ؛ لأنهم لا يحاسبون لأنّ الله ـ تعالى ـ علم من حالهم أنّ ثوابهم يساوي عذابهم ، فلا فائدة في حسابهم.
واستدلّ القاضي أيضا بهذه الآية على أنّ كلّ من حضر عرضة القيامة فلا بد وأن يكون ثوابه زائدا أو عذابه ، فأمّا من كان ثوابه مساويا لعقابه ، فإنّه وإن كان جائزا في العقل ، إلا أن هذا النص يدلّ على أنّه غير موجود.
وأجيب بأنّ تخصيص هذين القسمين بالذّكر لا يدلّ على نفي القسم الثالث ؛ لأنّ أكثر الآيات مشتملة على ذكر المؤمن والكافر ، وليس فيه ذكر ثالث لا يكون مؤمنا ولا كافرا مع أنّ القاضي أثبته ، فإذا لم يلزم من عدم ذكر الثالث عدمه فكذلك لا يلزم من عدم ذكر هذا الثالث عدمه.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٢٩.