قال شهاب الدّين : «ولا حاجة إلى قولهم «مقدّرة» ، وإنّما احتاجوا إلى التقدير في مثل قوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ؛ لأنّ الخلود بعد الدّخول ، بخلافه هنا».
قوله : (ما دامَتِ) «ما» مصدرية ظرفية ، أي : مدّة دوامهما. و «دام» هنا تامة ، لأنّها بمعنى : بقيت.
فصل
اختلفوا في تأويل هذا ، قالت طائفة منهم الضحّاك : المعنى ما دامت سموات الجنّة والنّار وأرضهما ، والسماء كل ما علاك وأظلك ، والأرض ما استقر عليه قدمك ، قال تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ)(١). وقيل : أراد السّماء والأرض المعهودتين في الدنيا ؛ وأجرى ذلك على عادة العرب في الإخبار عن دوام الشيء وتأبيده ، كقولهم : «لا آتيك ما جنّ ليل ، أو سال سيل ، وما اختلف اللّيل والنهار».
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أنّ جميع الأشياء المخلوقة أصلها من نور العرش ، وأنّ السموات والأرض في الآخرة تردّان إلى النور الذي أخذتا منه ، فهما دائمتان أبدا في نور العرش (٢).
فصل
قال ابن الخطيب (٣) : قال قوم : إنّ عذاب الكفّار منقطع ، وله نهاية ، واحتجّوا بالقرآن والمعقول ، أما القرآن فبآيات منها هذه الآية ، والاستدلال بها من وجهين :
أحدهما : قوله : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) يدل على أنّ مدة عقابهم مساوية لمدّة بقاء السموات والأرض ، ثم توافقنا على أنّ مدة بقاء السموات والأرض متناهية ؛ فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة.
والثاني : قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) استثناء من مدّة عقابهم ، وذلك يدلّ على أنّ زوال ذلك العقاب في وقت هذا الاستثناء ، ومنها قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) [النبأ : ٢٣] بيّن تعالى أنّ لبثهم في ذلك العقاب لا يكون إلّا أحقابا ، والأحقاب معدودة.
وأمّا العقل فمن وجهين :
الأول : أنّ معصية الكافر متناهية ، ومقابلة الجرم المتناهي بعذاب لا نهاية له ظلم وإنّه لا يجوز.
الثاني : أنّ ذلك العقاب ضرر خال عن النّفع فيكون قبيحا.
بيان خلوه عن النفع أن ذلك النفع لا يجوز أن يرجع إلى الله تعالى لتعاليه عن النّفع والضّرر ، ولا إلى ذلك المعاقب ؛ لأنّه في حقّه ضرر محض ، ولا إلى غيره ؛ لأن أهل
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٢).
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ٦٦).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٥١.