(أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ، أو منصوب بمقدّر موافق له ، أي : فنبتّم نباتا ، وكذلك هنا ، يقال : عطوت بمعنى : تناولت. و (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) نعته ، والمجذوذ : المقطوع ، ويقال لفتات الذّهب والفضّة والحجارة «جذاذ» من ذلك ، وهو قريب من الجدّ بالمهملة في المعنى ، إلّا أنّ الرّاغب جعل جدّ بالمهملة بمعنى : قطع الأرض المستوية ، ومنه : جدّ في سيره يجدّ جدّا ، ثم قال : «وتصوّر من جددت الأرض القطع المجرد ، فقيل : جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح ، وثوب جديد أصله المقطوع ، ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه». والظّاهر أنّ المادتين متقاربتان في المعنى ، وقد ذكرت لها نظائر نحو : عتا وعثا ، وكتب وكثب.
فصل
قال ابن زيد : أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنّة ، فقال : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ولم يخبر بالذي يشاء لأهل النّار.
وقال ابن مسعود : ليأتينّ على جهنّم زمان ليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا ، وعن أبي هريرة مثله ، وقد تقدّم ، ومعناه عند أهل السّنة : ألّا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان ، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدا.
قوله : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) ، أي : شك (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) لما شرح أقاصيص عبدة الأوثان ، وأتبعه بأحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء شرح للرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أحوال الكفار من قومه ، فقال : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) وحذف النون ؛ لكثرة الاستعمال ؛ ولأنّ النون إذا وقعت طرف الكلام ، لم يبق عند التلفظ به إلا مجرّد الغنّة ، فلا جرم أسقطوه و «ما» ف ي «مما يعبدون» و «مما يعبد آباؤنا» مصدرية ، ويجوز أن تكون الأولى اسمية دون الثانية ، والمعنى : أنّهم ضلال (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ) ، وفيه إضمار ، أي : كما كان يعبد آباؤهم من قبل ، (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) حقّهم من الجزاء (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) ، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ، وإن كفروا ، وأعرضوا عن الحقّ ، فإنا موفوهم نصيبهم من الرّزق والخيرات الدنيويّة ، ويحتمل أن يكون المراد : إنّا لموفّوهم نصيبهم من إزاحة العذر وإظهار الدلائل ؛ وإرسال الرسل وإنزال الكتب.
قوله (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال من «نصيبهم» وفي ذلك احتمالان :
أحدهما : أن تكون حالا مؤكّدة ؛ لأن لفظ التوفية يشعر بعدم النقص ، فقد استفيد معناها من عاملها ، وهو شأن المؤكدة.
والثاني : أن تكون حالا مبينة.
قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف نصب (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حالا عن النّصيب الموفّى؟ قلت : يجوز أن يوفّى ، وهو ناقص ، ويوفّى وهو كامل ؛ ألا تراك تقول : «وفّيته شطر