التي بعدها ، فاجتمع ثلاث ميمات فحذفت الوسيط منهنّ ، وهي المبدلة من النون ، فقيل : «لمّا». قال مكي (١) والتقدير : وإن كلّا لخلق لوفينّهم ربك أعمالهم ، فترجع إلى معنى القراءة الأولى بالتخفيف ، وهذا الذي حكاه الزجاج عن بعضهم فقال : زعم بعض النّحويين أن أصله (لِمَنْ ما) ، ثم قلبت النّون ميما ، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى قال : وهذا القول ليس بشيء ؛ لأنّ «من» لا يجوز حذف بعضها ؛ لأنّها اسم على حرفين.
وقال النحاس (٢) : قال أبو إسحاق : هذا خطأ ؛ لأنّه تحذف النون من «من» فيبقى حرف واحد وقد ردّه الفارسيّ أيضا فقال : إذا لم يقو الإدغام على تحريك السّاكن قبل الحرف المدغم في نحو : «قدم مالك» فأن لا يجوز الحذف أجدر قال : على أنّ في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام أكثر ممّا كانت تجتمع في (لِمَنْ ما) ولم يحذف منها شيء ، وذلك في قوله تعالى : (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود : ٤٨] ، فإذا لم يحذف شيء من هذا فأن لا يحذف ثم أجدر.
قال شهاب الدين (٣) : اجتمع في (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) ثمانية ميمات ، وذلك أنّ «أمما» فيها ميمان وتنوين ، والتنوين يقلب ميما لإدغامه في ميم «من» ومعنا نونان : نون «من» الجارة ، ونون «من» الموصولة فيقلبان أيضا ميما لإدغامهما في الميم بعدهما ، ومعنا ميم : «معك» فتحصّل معنا خمس ميمات ملفوظ بها ، وثلاث منقلبة إحداها عن تنوين ، واثنتان نون ، واستدلّ الفراء على أنّ أصل «لمّا» (لِمَنْ ما) بقول الشّاعر : [الطويل]
٣٠٢٤ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقي اللّسان من الفم (٤) |
وقول الآخر : [الطويل]
٣٠٢٥ ـ وإنّي لممّا أصدر الأمر وجهه |
|
إذا هو أعيا بالسّبيل مصادره (٥) |
وقد تقدّم في آل عمران في قراءة من قرأ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) [الآية : ٨١] بتشديد «لمّا» أنّ الأصل : (لِمَنْ ما) ففعل فيه ما تقدّم ، وهذا أحد الأوجه المذكورة في تخريج هذا الحرف هناك في سورته ، فالتفت إليه. وقال أبو شامة : وما قاله الفرّاء استنباط حسن ، وهو قريب من قولهم في قوله (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] إنّ أصله: لكن أنا ثمّ حذفت الهمزة ، وأدغمت النون في النّون ، وكذا في قولهم : أمّا أنت منطلقا انطلقت ، قالوا المعنى لأن كنت منطلقا. وفيما قاله نظر ، لأنّه ليس فيه حذف ألبتّة ، وإنّما كان يحسن التنظير أن لو كان فيما جاء به إدغام حذف ، وأمّا مجرّد التّنظير
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ١٤٥.
(٢) ينظر : إعراب القرآن ٢ / ١١٥.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٣٧.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر البيت في روح المعاني ١٢ / ١٥٠ والفراء ٢ / ٢٩ والقرطبي ٩ / ٧٠ والطبري ١٥ / ٤٩٤ والدر المصون ٤ / ١٣٨.