بالقلب والإدغام فغير طائل ، ثم قال أبو شامة : وما أحسن ما استخرج الشّاهد من البيت يعني : الفرّاء ، ثم الفراء أراد أن يجمع بين قراءتي التّخفيف والتّشديد من «لمّا» في معنى واحد ، فقال : «ثمّ تخفّف ، كما قرأ بعض القرّاء (وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) [النحل : ٩٠] بحذف الياء عند الياء ؛ أنشدني الكسائيّ : [الوافر]
٣٠٢٦ ـ وأشمتّ العداة بنا فأضحوا |
|
لدي يتباشرون بما لقينا (١) |
فحذفت ياؤه لاجتماع الياءات».
قال شهاب الدّين (٢) : الأولى أن يقال : حذفت ياء الإضافة من «لديّ» فبقيت الياء السّاكنة قبلها المنقلبة عن الألف في «لدى» وهو مثل قراءة من قرأ (يا بُنَيَ) [هود : ٤٢] بالإسكان على ما سبق ، وأمّا الياء من «يتباشرون» فثابتة لدلالتها على المضارعة.
ثم قال الفرّاء : [الرجز]
٣٠٢٧ ـ كأنّ من آخرها إلقادم (٣)
يريد : إلى القادم ؛ فحذف اللّام عند اللّام. وتوجيه قولهم من آخرها إلقادم أنّ ألف «إلى» حذفت لالتقاء الساكنين ، وذلك أنّ ألف «إلى» ساكنة ، ولام التّعريف من القادم ساكنة ، وهمزة الوصل حذفت درجا ، فلما التقيا حذف أولهما فالتقى لامان : لام «إلى» ولام التعريف ، فحذفت الثانية على رأيه ، والأولى حذف الأولى ؛ لأنّ الثانية دالة على التعريف ، فلم يبق من حرف «إلى» غير الهمزة فاتصلت بلام «القادم» فبقيت الهمزة على كسرها ؛ فلهذا تلفظ بهذه الكلمة «من آخرها إلقادم» بهمزة مكسورة ثابتة درجا ؛ لأنها همزة قطع.
قال أبو شامة : وهذا قريب من قولهم : «ملكذب» و «علماء بنو فلان» و «بلعنبر» يريدون : من الكذب ، وعلى الماء بنو فلان ، وبنو العنبر ، قال شهاب الدين ـ رحمهالله ـ : يريد قوله : [المنسرح]
٣٠٢٨ ـ أبلغ أبا دختنوس مألكة |
|
غير الذي قد يقال ملكذب (٤) |
المألكة : الرّسالة ، وقول الاخر : [الطويل]
٣٠٢٩ أ ـ فما سبق القيسيّ من سوء فعله |
|
ولكن طفت علماء غرلة خالد (٥) |
الغرلة القلفة ، وقول الاخر : [الخفيف]
__________________
(١) ينظر البيت في معاني الفراء ٢ / ٩٢ وتفسير الطبري ١٥ / ٤٩٥ وإبراز المعاني ٥٢٥ والدر المصون ٤ / ١٣٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٣٨.
(٣) ينظر البيت في معاني الفراء ٢ / ٩٢ وجامع البيان ١٥ / ٤٩٥ واللسان (قدم) والدر المصون ٤ / ١٣٨.
(٤) تقدم.
(٥) البيت للفرزدق. ينظر : شرح المفصل ١٠ / ١٥٥ ، والمقتضب ١ / ٢٥١ ، والكامل ٣ / ٣٩٩ ، وابن الشجري ٢ / ٤ ، وشرح الجمل لابن هشام ٤٥٢. ويروى البيت هكذا :
وما سبق القيسي من ضعف حيلة |
|
ولكن طغت علماء قلفة خالد |