أمرت بها على جادّة الحقّ غير عادل منها. وإمّا على الحال من ضمير ذلك المصدر.
واستفعل هنا للطّلب ، كأنه قيل : اطلب الإقامة على الدّين ، كما تقول : استغفر أي : اطلب الغفران.
قوله : (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) في «من» وجهان ، أحدهما : أنّه منصوب على المفعول به ، كذا ذكره أبو البقاء (١) ، ويصير المعنى : استقم مصاحبا لمن تاب مصاحبا لك ، وفي هذا المعنى نبوّ عن ظاهر اللفظ.
والثاني : أنّه مرفوع فإنّه نسق على المستتر في «استقم» ، وأغنى الفصل بالجارّ عن تأكيده بضمير منفصل في صحّة العطف ، وقد تقدّم هذا البحث في قوله : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)،وأنّ الصحيح أنّه من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، ولذلك قدّره الزمخشريّ فاستقم أنت ، وليستقم من تاب معك ، فقدّر الرافع له فعلا لائقا برفعه الظّاهر.
وقال الواحدي : محلها ابتداء تقديره : ومن تاب معك فليستقم.
فصل
معنى الآية : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) على دين ربّك ، والعمل به ، والدّعاء إليه ، كما أمرت ، (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) أي : من آمن معك فليستقيموا ، قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنّهي ، ولا تروغ روغان الثّعلب (٢).
روى هشام بن عروة عن أبيه عن سفيان بن عبد الله الثّقفي ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال : «قل آمنت بالله ثم استقم»(٣).
فصل
هذه الآية أصل عظيم في الشّريعة ، وذلك أنّ القرآن لمّا ورد بترتيب الوضوء في اللفظ وجب اعتبار الترتيب فيه ، لقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ،) ولمّا ورد الأمر في الزّكاة بأداء الإبل من الإبل ، والبقر من البقر وجب اعتبارها ، وكذا القول في كل ما ورد أمر الله به.
قال ابن الخطيب : وعندي أنه لا يجوز تخصيص النصّ بالقياس ؛ لأنّه لمّا دلّ عموم النّص على حكم وجب العمل بمقتضاه ، لقوله تعالى ـ : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) فالعمل بالقياس انحراف عنه.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٤٧.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٤).
(٣) أخرجه مسلم ١ / ٦٥ كتاب الإيمان باب جامع أوصاف الإسلام (٦٢ / ٣٨). وأخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤١٣ وابن ماجه ٢ / ٣١٤ بزيادة في آخره : قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلسان نفسه ثم قال : هذا (٣٩٧٢) والترمذي بالزيادة المذكورة ٤ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥ (٢٤١٠). وقال : هذا حديث صحيح. وقد روي عن غير وجه عن سفيان بن عبد الله الثقفي.